في ظل تصاعد نفقات التعليم الجامعي الخاص والأهلي، لم تعد المشكلة تقتصر على الأعباء المالية فقط، بل امتدت لتشمل أبعادًا نفسية وإجتماعية خطيرة تؤثر على الطالب وأسرته، وفي تصريحات خاصة لموقع "كشكول"، كشف الدكتور محمود محمد علام، استشاري الإرشاد النفسي والأسري، عن الجانب الخفي لهذه الأزمة، والذي غالبًا لا يُناقش بالشكل الكافي.
ويقول الدكتور علام، "في الوقت اللي المفروض تكون فيه الحياة الجامعية بداية لطريق جديد، بيتحول الطريق أحيانًا إلى حمل نفسي تقيل، بسبب عبء المصاريف، خصوصًا في الجامعات الخاصة والأهلية وهنا المشكلة ليست فلوس، المشكلة في اللي بيحصل جوا الطالب وجوا أسرته من غير ما حد يتكلم".
وأضاف، أن الطالب الذي يلتحق بجامعة خاصة غالبًا ما يكون لديه طموح كبير، لكنه يصطدم بواقع متكرر من الفواتير المرتفعة والمصاريف المتزايدة، ما يولّد لديه إحساسًا بأنه مسؤول عن كل هذه الأعباء، وليس فقط عن دراسته.
وتابع قائلًا: "الإحساس ده ممكن يخليه يقلق طول الوقت من إحنا هنقدر نكمل؟، ويحس بالذنب تجاه أهله، حتى لو محدش قاله كده صراحة، ويقارن نفسه بزملاء في جامعات تانية، أو يشتغل وهو بيدرس علشان يساعد، بس على حساب طاقته أو تركيزه. ودي كلها مشاعر ممكن تتحول لتوتر أو فقدان شغف، أو حتى اكتئاب خفي".
أما عن دور الأسرة، فيوضح الدكتور علام أن التحدي لا يقتصر على الطالب وحده، بل يطال الأهل أيضًا، و"الأهل كمان بيعيشوا معاناة نفسية، مش مجرد عبء مادي، عندما يتحول دخل الأسرة بالكامل لتأمين مصاريف الجامعة، طبيعي يحصل ضغط داخلي، توتر في العلاقات، أو حتى شعور بالعجز".
وأشار إلى أن بعض الأسر قد تضحي باحتياجات أفرادها أو تستدين لتأمين تعليم الأبناء، في صمت تام، حتى لا يشعر الأبناء بالتقصير، وهو ما يزيد الضغط النفسي دون أن يُعلن.
ويقترح الدكتور علام، عدة خطوات لتخفيف هذا العبء النفسي، أولها المصارحة الهادئة، حيث يقول: "الكلام بين الطالب والأهل عن الوضع الحقيقي مهم وليس من باب اللوم، لكن من باب إن كل طرف يفهم التاني ويطمنه".
كما شدد على أهمية التخطيط بهدوء حتى في غياب حلول كاملة، موضحًا: "وجود خطة حتى لو بسيطة، مثل توزيع المصاريف أو البحث عن منح، بيخلّي الموقف أهدى والفكرة ليست الفلوس نفسها، الفكرة إننا نحس إن عندنا تحكم".
ونبّه إلى ضرورة تجنّب المقارنات والتركيز على الهدف الشخصي لكل طالب، لأن "كل واحد في ظروفه، وكل طريق له ضريبته والطالب اللي بيذاكر في جامعة خاصة مش أقل من اللي في جامعة حكومية، والعكس".
وفي ختام تصريحاته، أكد الدكتور محمود علام، أن الدعم النفسي ليس رفاهية بل "ضرورة"، للطالب ولأسرته على حد سواء و"الضغط المالي وقت الجامعة بيأثر على كل الأطراف، لكن إدراكنا لتأثيره النفسي ومواجهته من غير خجل، بيساعد كتير إننا نعدّي الفترة دي بأقل خسائر ممكنة"، حسب تعبيره.
أستاذ بجامعة حلوان.. التعليم الأهلي والخاص حوّل الكليات إلى سلعة للأغنياء
بينما علق الدكتور وائل كامل، أستاذ بجامعة حلوان، في تصريحات خاصة لموقع "كشكول"، إن المغالاة في مصروفات التعليم الخاص والأهلي، المصحوبة بتخفيضات كبيرة في مجاميع القبول، أدت إلى انقسام الأسر المصرية إلى فريقين؛ فريق يكبل نفسه بالديون والقروض من أجل تمكين أبنائه من الالتحاق بالتخصص المرغوب، حتى لو اضطر للتضييق على معيشته اليومية، وفريق آخر يشعر بالحسرة والانكسار، لعدم قدرته المادية على تحقيق طموحات أبنائه رغم تفوقهم، فقط بسبب بضع درجات من النقص، وعدم استطاعتهم الالتحاق بتعليم خاص أو أهلي، مما يبرز الظلم الاجتماعي والتعليمي القائم.
وأوضح الدكتور وائل، أن عدل الإتاحة لم يعد قائمًا، حيث أصبح الطالب الذي يحصل على 88% أو حتى 90% غير قادر على الالتحاق بكليات القمة كالهندسة أو الطب، في حين يستطيع طالب آخر حصل على 60% فقط أن يدرس تلك التخصصات ويكون من خريجيها، لمجرد قدرة أسرته المالية على دفع المصروفات الباهظة في التعليم الخاص أو الأهلي، مؤكدًا أن هذا الخلل يؤدي إلى انحدار مستوى الكفاءة والعدالة في منظومة التعليم العالي.
واختتم الدكتور وائل كامل تصريحاته، بالإشارة إلى أن ما وصفه بـ"ماسورة الجامعات الخاصة والأهلية" قد انفجرت في البلاد، تبعها تخفيضات كبيرة في المجاميع لجذب الطلاب، وتسهيلات دراسية مثل سنة تمهيدية لا تشترط أي مجموع، مما تسبب في تدهور متواصل في مستوى الخريجين، وقتل طموحات المتفوقين، كما أشار إلى حالة "كسر النفس" لدى العديد من الأسر التي كانت تأمل في تحقيق مستقبل أفضل لأبنائها، لكن ضيق ذات اليد حال دون التحاقهم بالتعليم الذي يناسب قدراتهم وطموحاتهم.
"تربوي".. الجامعات الأهلية دعم لتخفيف أعباء التعليم العالي في مصر
وفي هذا السياق، قال الخبير التربوي الدكتور تامر شوقي، في تصريحات خاصة لموقع "كشكول" إن الجامعات الخاصة والأهلية في مصر تلعب دورًا مهمًا في العملية التعليمية، وتعتبر من سمات تطوير التعليم العالي في البلاد، فهي تساهم في تخفيف الأعباء عن كاهل الدولة فيما يتعلق بإنشاء الجامعات وتحمل مسؤولية الطلاب.
أوضح الدكتور تامر، أن الجامعات الخاصة والأهلية توفر تخصصات حديثة تلبي احتياجات سوق العمل مثل الذكاء الاصطناعي، تكنولوجيا المعلومات، الرقمنة، وتكنولوجيا البنوك، مما يتيح فرصًا تعليمية متطورة للطلاب، وأشار إلى أن هذه الجامعات تتيح فرصة لطلاب لم يستطيعوا الحصول على مجاميع تؤهلهم للالتحاق بالجامعات الحكومية، حيث تقبل مجموعًا أقل، مما يمنحهم فرصة ثانية للدراسة الجامعية.
كما أكد الدكتور شوقي، أن الجامعات الخاصة والأهلية توفر بديلًا آمنًا للطلاب بدلًا من السفر إلى الخارج، حيث كان يدفعون آلاف الدولارات، ما ساعد في حفظ العملة الصعبة داخل مصر، كما ساهمت في جذب العديد من الطلاب من الدول العربية والأفريقية، مما جلب عملة صعبة للاقتصاد القومي، ورغم كل هذه الإيجابيات، لا يمكن إنكار أن هناك أسعارًا مرتفعة في بعض الجامعات الخاصة قد تتجاوز 200 أو 300 ألف جنيه، وهو مبلغ يفوق ميزانية العديد من الأسر. ولكن في النهاية، من يرغب في الالتحاق بها هو الذي يقدر على سداد مصروفاتها.
وأضاف، أن الجامعات الأهلية تُعتبر خيارًا متوسط التكلفة بين الحكومية والخاصة، وهي غير هادفة للربح، إذ تعيد ضخ الأموال التي تحصل عليها في تطوير العملية التعليمية، مثل تحديث البنية التحتية، المعامل، والأدوات، بالإضافة إلى تحسين قدرات أعضاء هيئة التدريس، وهي جامعات تحت إشراف الحكومة المصرية، مما يضمن التزامها بمعايير معينة.
أما فيما يخص التأثير الاجتماعي للمصاريف، شدد على أن الأسر التي لديها القدرة فقط هي التي تستطيع تسجيل أبنائها في هذه الجامعات، بينما العديد من الأسر من الطبقة المتوسطة وأحيانًا الفقيرة تضطر إلى ادخار الأموال من قوتها أو اللجوء إلى جمعيات لتمويل مصروفات الدراسة، وأوضح أن هذا الأمر يسبب ضغوطًا اجتماعية واقتصادية كبيرة على الأسر، مما قد يؤثر على الحالة النفسية للطلاب وأداءهم الدراسي.
التعليم الخاص تحدي اقتصادي يعيد تشكيل الطبقات الاجتماعية
بينما قالت الدكتورة سهير عثمان، وكيل كلية الإعلام بالجامعة الكندية، في تصريحات خاصة لموقع "كشكول"، إن الموضوع مهم جدًا، فكرة التأثير الاجتماعي لمصاريف الجامعات الخاصة والأهلية على الطلاب وأسرهم، ولدي عدة نقاط أود التحدث عنها.
وأوضحت عثمان، أن هناك الضغط المالي الكبير على الأسر، خاصة الطبقة المتوسطة والفقيرة، بسبب ارتفاع المصروفات الدراسية، وهذا الضغط يدفع الأسر إلى الاقتراض أو الاستغناء عن بعض الاحتياجات الأساسية من أجل توفير فرصة لأبنائهم للالتحاق بالجامعات، خاصة لأولئك الذين لم يحالفهم الحظ في الحصول على مجموع مرتفع في الثانوية العامة أو ما يعادلها.
وأشارت الدكتورة سهير، إلى غياب العدالة التعليمية، حيث يرتبط الحصول على جودة تعليمية عالية بالقدرة المالية للأسر، مما يؤدي إلى شعور كبير بعدم تكافؤ الفرص بين الطلاب وهذا يخلق طبقة تعليمية جديدة داخل المجتمع، حيث يصبح التعليم الخاص والفاخر حكرًا على من يستطيع دفع مصاريفه، بينما يتراجع التعليم الحكومي أو المجاني في جودته وفرصه.
أما من الناحية النفسية، فتحدثت الدكتورة عن التأثير النفسي السلبي على الطلاب، حيث يشعر بعضهم بالقلق والذنب بسبب العبء المالي الذي تقع على عاتق أسرهم وهذا الضغط النفسي قد يؤثر على أدائهم الدراسي وصحتهم النفسية لاحقًا، كما أن الأسر نفسها تتعرض لتغيرات في أولوياتها، فقد تضطر إلى تقليص الإنفاق على الترفيه أو العلاج أو حتى السكن في مكان أفضل، من أجل تمويل التعليم الجامعي الخاص أو الأهلي لأبنائهم.
وأوضحت عثمان، في ختام حديثها، أن التعليم الخاص أصبح تحديًا اقتصاديًا كبيرًا، قد يعيد رسم ملامح الطبقات الاجتماعية والفرص المتاحة داخل المجتمع المصري، مما يجعل التحدي أكبر ويستلزم تفكيرًا جديًا في الحلول.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.