ارتفاع سنوي ملموس في عدد حالات اعتداء مختلين عقليا والمس بالسلامة الجسدية للمواطنين في الشارع العام، ضمن قضايا منجزة ومسجلة لدى مصالح الأمن الوطني، تؤكده أرقام رسمية حديثة صدرت عن وزارة الداخلية المغربية.
وحسب جواب كتابي لعبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، صدر يوليوز الجاري، عن سؤال للنائبة البرلمانية عن فريق التقدم والاشتراكية خديجة أروهال، فقد بلغ عدد القضايا المنجزة من طرف مصالح الأمن الوطني المتعلقة بالمختلّين عقليا الذين يرتكبون جرائم بالشارع العام في مختلف جهات المغرب، “475 قضية، تم بموجبها إيقاف 435 شخصًا”، فيما كان العدد المسجل سنة 2023 لا يتجاوز 246 قضية تم بموجبها إيقاف 254 شخصًا؛ وهو ما يعني، وفق استقراء هسبريس للمعطيات، أن عدد الحالات قد تضاعف بحوالي مرتين في ظرف سنة فقط.
ارتفاع لافت
كما أفاد المسؤول الحكمي ذاته بأنه إلى حدود نهاية شهر ماي من السنة الجارية، “تم إنجاز 254 قضية” من طرف المصالح الأمنية المختصة، “تم على إثرها إيقاف ما مجموعه 255 شخصا” من هذه الفئة من المختلين عقلياً؛ ما يؤشر حسب استقراء لتطور البيانات الرسمية على “زيادة واضحة” في عدد القضايا والحالات التي يقف وراءها مختلون عقليا، خاصة خلال الأشهر الخمسة الأولى من سنة 2025.
بحسب وزير الداخلية في وثيقة الجواب التي توفرت لهسبريس نسخة منها، “يعكس عدد القضايا المنجزة من طرف مصالح الأمن الوطني المتعلقة بالمختلين عقليا الذين يرتكبون جرائم بالشارع العام، حجم المجهودات المبذولة لمحاربة هذه الظاهرة”.
وفي السياق نفسه، أثار وزير الداخلية انتباه طارحة السؤال إلى أنه “يتم تنظيم حملات دورية، سواء راجلة أو ثابتة، في المناطق التي يرتادها المواطنون والسياح، تتوخى من خلالها السلطات إيقاف هؤلاء المرضى وإيداعهم بمؤسسات الأمراض العقلية للحيلولة دون إقدامهم على تصرفات عدوانية قد تُلحق أضرارا بالأشخاص أو بالممتلكات”.
واستحضر الوزير ذاته أنه “في إطار اختصاصاتها في مجال الحفاظ على النظام العام وطبقاً لمقتضيات الظهير الشريف رقم 295-5-1 الصادر بتاريخ 10 أبريل 1959 المتعلق بضمان الوقاية من الأمراض العقلية ومعالجتها وحماية المصابين بها”، تعمل السلطات المحلية بمختلف عمالات وأقاليم المملكة، بتنسيق مع مختلف المتدخلين (قطاع الصحة، المصالح الأمنية، الجماعات الترابية وكذا أُسر المرضى…)، على إيقاف الأشخاص المصابين بالاضطرابات العقلية وإحالتهم على المؤسسات الاستشفائية المختصة لتلقي العلاج”.
وبخصوص “ظروف وملابسات مقتل مواطن بمدينة تارودانت جراء تعرضه لاعتداء على يد مختل عقليا بواسطة حجر من الحجم الكبير”، التي شكلت موضوع السؤال الكتابي للنائبة أروهال شهر ماي الماضي، أكد الوزير في جوابه أن “هذه تعدّ حالة معزولة في الزمان والمكان”، مفيدا بأنه “سبَق للسلطات المحلية أن أحالت، بتاريخ 08 ماي 2025، مُرتكب هذه الجريمة على مصالح الأمراض العقلية بالمركز الاستشفائي الإقليمي المختار السوسي بتارودانت، أي قبل وقوع هذا الحادث المؤسف بيومين”.
يشار إلى أن “واقعة تارودانت”، يوم 10 ماي من السنة الجارية، كانت قد دفعت النائبة سالفة الذكر عن فريق “PPS” إلى مساءلة “المسؤول الحكومي عن المقاربة الأمنية المعتمدة من طرف السلطات المختصة للحد من مخاطر المختلين عقليا في الفضاءات العامة وإخلائهم منها، والحيلولة دون تهديدهم المتكرر لأمن وسلامة المواطنات والمواطنين”.
كما تساءلت عن “التدابير التي سيتم اتخاذها، بتعاون مع السلطات الصحية المختصة، من أجل إيواء المرضى عقلانيا ونفسيا في المؤسسات التي تناسب حالاتهم”.
دعوات لـ”تفعيل مشروع قانون”
بعد تواتر عدد من الحوادث في السنوات الماضية، تفاعلت هيئات مدنية عديدة ومختصون نفسانيون مع “استفحال ظاهرة تجوّل المختلين عقليا بالشارع العام بكل حرية”، سواء المسالمين أو العدوانيين، مؤكدين، ضمن تصريحات سابقة لهسبريس، أن الأمر أصبح يشكل “مبعث قلق شديد”.
وكانت فعاليات مدنية (أبرزها المرصد الدولي للإعلام وحقوق الإنسان) قد حمّلت الحكومة “مسؤولية الوضعية المزرية التي تعيشها هذه الفئة الهشة من المجتمع المغربي، خصوصا مع النقص المهول في المؤسسات الصحية والأطر الطبية والتمريضية المختصة”، داعية وزيرَي الداخلية والصحة إلى السهر على التعجيل بتحديث وتفعيل مشروع القانون رقم 13-71 (المتعلق بمكافحة الاضطرابات العقلية وحماية حقوق المصابين بها) الذي سحبته الحكومة شهر شتنبر 2023 بعد أن ظل حبيس رفوف المؤسسة التشريعية منذ سنة 2016 كي يحلّ محل الظهير 295-58-1 الصادر بتاريخ 30 أبريل 1959 الخاص بالوقاية من الأمراض العقلية ومعالجتها وحماية المرضى المصابين بها”.
ويعاني المغرب من “ضعف استثمارات الدولة في منظومة الرعاية النفسية”، ما حفّز دعوات المرصد الدولي للإعلام وحقوق الإنسان للعمل على ضمان “توزيع جغرافي متكافئ وكاف للمؤسسات الصحية لمعالجة الأمراض النفسية والعقلية”، موازاة مع “توفير العدد الكافي من التجهيزات والأطر الطبية والتمريضية المختصة”.