أخبار عاجلة

الشأن العام .. تربية ومسؤولية

الشأن العام .. تربية ومسؤولية
الشأن العام .. تربية ومسؤولية

الشأن العام هَم فردي كما هو اهتمام جماعي، ويشتد هذا الاهتمام والانشغال باشتداد الأزمات وصعوبة تلبية الحاجات اليومية المادية منها والمعنوية. وتختلف مقاربة المواطن للشؤون العامة باختلاف مستوى تعليمه واطلاعه على مختلف المفاعيل الصانعة لمعيشه، وكذا موقعه الاجتماعي. وهي العوامل القمينة برفع منسوب الفرد من الكفاءة الاقتراحية، والمبادرة للنهوض بوضعية البلاد والعباد، أو تهبط بها إلى أسفل سافلين. فمصائر الأوطان والمجتمعات تتحدد تبعا لما تزخر به من طاقات بشرية قد تغني عن الموارد الطبيعية ، وتسد ما ليس بإمكانها أن تسده.

الشأن العام غاية تربوية وتنموية:

يعرف الشأن العام بكل ما يتجاوز حدود الفرد واهتماماته، كشؤونه الأسرية والمهنية و … « هو شأن يتعلق بالكيان السياسي الذي يعيش الإنسان في ظله » (جمال أبو الحسن). لهذا كانت المشاركة في الشأن العام هي مشاركة سياسية، ولهذا ربطه أفلاطون قديما بالحكم: « الثمن الذي يدفعه الطيبون لقاء لا مبالاتهم بالشؤون العامة، هو ان يحكمهم الأشرار ». ولهذه المكانة التي يحتلها الاهتمام بالشأن العام، أفردت المناهج التربوية لها ركنا خاصا تحت مسمى: التربية المدنية، أو التربية على المواطنة. بجعل السلوك المدني المنضبط بقواعد القانون والقيم الأخلاقية أفقا تسعى المنظومة إلى الارتقاء بالناشئة إلى رحابه، تملكا للإمكانيات والمقدرة على التعاطي مع الشأن العام كما الشأن الخاص بوعي ومسؤولية. فوظيفة « التربية أن تخلق من الإنسان كائنا اجتماعيا مندمج بالشؤون العامة لجماعته » (دوركهايم).

وتجنبا لسقوط الشأن العام في الفوضى والعبثية، تم التفكير في خلق آليات ومؤسسات لتدبيره، توخيا للجدوى وفعالية المردودية. بتأسيس الأحزاب والنقابات والجمعيات والهيئات المختلفة، منتدى لكل ذي رأي وفكر، لبلورة الصيغ الممكنة لتنمية البلاد وتجاوز التحديات. وتحلية البيئة المواطنة بقيم التعايش البناء، بعد تخليته من كل ما يربط بثقافة الكراهية والعنف وتعطل الحوار في تدبير التناقضات.

غني عن البيان أن تطور المجتمعات البشرية أفرز تشابكا وتقاطعا للمصالح العامة، الشيء الذي أوجب ظهور مؤسسات متخصصة في شأن من الشؤون العامة. كتلك التي تعنى بالحكامة أو بالشفافية أو صناعة القرار والسياسة العمومية و… . وذلك توخيا للدقة وتركيز الجهود لبلوغ مستوى متقدما من التنمية يرضي المواطن وينهض بالوطن. فالتنمية كما تحتاج إلى خبراء وتقنيين لاستغلال الموارد المادية أحسن استغلال، تحتاج أيضا إلى كوادر لها من الكفاءة ما يرقى بالموارد البشرية، إلى تدبير التناقضات الاجتماعية حتى تبقى في دائرة السلم والأمن، ودون الانزلاق إلى هدر الجهد والوقت فيما لا طائل يرجى من ورائه، و يتعطل مصعد الرقي الفردي والجماعي.

مركزية الفاعل السياسي في إدارة الشأن العام:

يفرض تنوع الآراء وتناقضها في بعض الأحيان، حسا ديمقراطيا، وتشبعا بالثقافة الديمقراطية القائمة على الإيمان بالاختلاف، واحترام التعبير عنه. وقد لعبت الأحزاب السياسية عبر التاريخ دورا كبيرا في تأطير المواطنين، وتكوينهم على التعاطي مع الشأن العام بما يتطلب من وعي ومسؤولية. ويتذكر جيل الاستقلال كيف استطاع الفكر السياسي المغربي تأسيس مدارس ذات مشارب شتى في القناعات الفكرية، والمبادئ المؤطرة للممارسة السياسية، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.

إن بناء المبادئ وتنمية الأفكار عملية تحتاج إلى مجهود، قامت به في مرحلة تاريخية سابقة قامات نضالية، ذات غيرة وطنية. ضحت بوقتها وأحيانا كثيرة بحياتها في سبيل بناء وطن يحظى بمؤسسات ثقافية واقتصادية و إدارية و … تحافظ على سيادته واستقراره، ومواطن يعي واجباته وحقوقه، ومبادر للمساهمة في التنمية الذاتية والجماعية. فكانت الأحزاب مشتلا لأطر الدولة، تكمل دور المدرسة والجامعة، وتمد المجتمع بالتكوين السياسي الذي لا يتسع صدر المعاهد العلمية والتربوية له. ناهجة لبلوغ ذلك أنشطة وأساليب متعددة: الورشات الدراسية، المخيمات، المحاضرات، … فكانت المقرات الحزبية خلايا نحل لا تفتر الحركة داخلها، والتطوع قيمة يُتنافس في بذلها على أكثر من واجهة. فالمناضل السياسي هو فاعل ثقافي وتربوي وبيئي واجتماعي و … أينما يممت وجهك تجده في الصفوف الأمامية للتضحية والعطاء. لا ينتظر الحملة الانتخابية ليقول هأنذا.

فشتان بين وضع كهذا، وبين السياسة والسياسيين في وضعنا الراهن، التي ينطبق عليها وصف نجيب محفوظ في روايته « قلب الليل »: « الصورة المليئة بالمفاسد ». ولم تعد الأحزاب تملك القدرة للتأثير في الرأي العام، فالجمهور منفلت من جبة السياسيين الذين « 90% منهم يعطون للعشرة الباقية منهم السمعة السيئة » ( هنري كيسنجر )، فلم نكد نعثر عليهم في مواقع المراقبة والمساءلة، ناهيك عن تواجده في مواقع الحراك الاجتماعي. فما أكثر الأحداث والوقائع المستحدثة بشكل تسارعي، يغيب فيها الفاعل السياسي إلا فيما ندر. وأصبح كل حديث في السياسة والسياسيين مقترنا بالريع والهمزة و تضارب المصالح و … حتى شاع التعريف الذي قدمه أفتاتي للسياسي هو: « استفاد، يستفيد، سيستفيد »، قلبا للمعادلة: « المناضل هو آخر من يستفيد »، كما تداولت الأدبيات السياسية والنقابية أيام زمان.

خاتمة:

أمام التنوع والاختلاف الذي تعرفه المجتمعات البشرية، تبقى الديمقراطية الأسلوب الأمثل لتدبيره، وتعد الأحزاب الآلية الوحيدة لتحقيقها. ولعل من بين النعم الكثيرة التي ينعم بها المغرب، نعمة التعددية بعد قتل التوجه نحو الحزب الوحيد في مهده. وإعادة التألق والبراءة للفعل السياسي هي مسؤولية تربوية أولا من خلال جل مؤسسات التنشئة الاجتماعية. كما هي مسؤولية الفاعل السياسي وكل القوى الحية، لإعادة القاعدة الاجتماعية الواسعة لدائر العمل السياسي المشروع والمؤطر. بعدما تبين أن كل التعبيرات السياسية الخارجة عن فلكه، محدودة أو معدومة الأثر، مادامت القرارات الكبرى والمصيرية تمر عبر المؤسسات المنتخبة. ولنا من الغنى والتنوع في التوجهات السياسية ما يجد فيها الجميع ضالته.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق . الاتحاد الرياضي للجامعات يشارك في دورة الألعاب الصيفية للجامعات بألمانيا
التالى نخيل طنجة يثير الجدل