يثير تعليق تنفيذ اتفاقيات شراكة جماعية خاصة بإنجاز حوالي 34 نواة جامعية بالمغرب الكثير من الجدل في صفوف متابعي شؤون التعليم العالي، وذلك بعدما أقدمت الحكومة الحالية على ذلك مع مطلع الولاية الحالية.
وتم في عهد الوزير الأسبق سعيد أمزازي توقيع اتفاقيات شراكة ما بين الوزارة الوصية على القطاع ومجالس جهوية وإقليمية وجماعية مختلفة، تُوّجت بتوفير الأوعية العقارية الخاصة بهذه المشاريع، فضلاً عن تسخير الأغلفة المالية الخاصة ببعضها، حسب حصة كل فاعل في هذه العملية.
وبعدما كان رأي الوزير السابق عبد اللطيف ميراوي بشأن الموضوع معروفًا لدى متتبعي هذا الملف، في ظل تعبيره الصريح عن معارضته فلسفته؛ انتقلت الكرة إلى ملعب عز الدين ميداوي منذ نهاية أكتوبر الماضي. ولم يكشف هذا الأخير بعدُ عن تفاصيل واضحة بشأن هذه الأنوية الجامعية، وذلك على مقربة من سنة تقريبًا من نهاية الولاية الحكومية.
وتقاطرت على وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار منذ سنة 2023 على الأقل عدد من الاستفسارات البرلمانية، على شكل أسئلة كتابية خاصة بمصير المشاريع المشار إليها، سواء تعلق الأمر بتنغير أو الخميسات أو وزان أو شيشاوة أو سيدي قاسم أو آسا…
“تراجع غير مفهوم”
ربيعة بوجة، نائبة برلمانية عن الدائرة الانتخابية الرباط ـ سلا ـ القنيطرة، قالت إنه “من الغريب أن يتم التراجع عن عدد من الاتفاقيات التي تم التوصل إليها خلال الولاية الحكومية الماضية، وذلك مع مجيء الوزير السابق عبد اللطيف ميراوي”.
وأوردت بوجة، التي كانت ساءلت الوزارة المعنية بشأن إحداث نواة جامعية بإقليم الخميسات: “سبقت لنا مراسلة وزارة التعليم العالي بخصوص هذا الموضوع، لكن دون التوصل بأجوبة واضحة”.
وأفادت عضو المجموعة النيابية للعدالة والتنمية أيضا بأن “الطمأنة المعبّرة عنها خلال الأشهر الماضية لم تكن إلا لإلهاء الرأي العام، في انتظار نهاية الولاية الحالية”.
“مشاريع بالجملة”
محمد الدرويش، رئيس المرصد الوطني للتربية والتكوين، سجّل بأسف أن “القرارات الأولى للوزير السابق عبد اللطيف ميراوي كانت بتوقيف عدة مشاريع صادقت عليها الحكومة السابقة، وذلك دون تقييم موضوعي لهذه المشاريع؛ وذلك إلى درجة أننا كنا نحس بنزعتها الذاتية، وبردود فعل غير مفهومة لدى الرأي العام الجامعي”، بتعبيره.
وذكّر الدرويش، في تصريح لهسبريس، بتوقيع اتفاقيات مع عدة أقاليم وجهات خصصت لهذه المشاريع ميزانية 100 في المائة أحيانًا، مع تخصيص 600 مليون درهم، لحوالي 34 مؤسسة، صدرت ست منها في الجريدة الرسمية، وتمت المصادقة على ميزانيتها ووردت في قانون المالية لسنة 2022، قبل أن يرتفع الرقم ذاته إلى 800 مليون درهم أي حوالي 80 مليار سنتيم سنة 2023.
وبحسب المتحدث ذاته فإن الأمر يتعلق في الأساس بمشاريع وُفّر لها الوعاء العقاري وتم التوقيع عليها بين الوزارة والجهات والأقاليم المعنية، ومنها ما تم التوقيع عليه أمام أنظار الملك محمد السادس بتطوان، وتشمل مؤسسات جامعية بأيت قمرة بالحسيمة، التي تضم مدرسة وطنية للتجارة والتسيير وحياً جامعياً وكلية متعددة التخصصات.
كما بيّن رئيس المرصد الوطني للتربية والتكوين أن الأمر يتعلق بخمس مؤسسات بكلميم، تتوزع على مدرسة للمهندسين ومدرسة وطنية للتجارة والتسيير ومدرسة وطنية للتكنولوجيا، وكلية للاقتصاد وكلية متعددة التخصصات، إلى جانب كلية متعددة التخصصات بآسا وسيدي بنور، تم توفير 13 هكتارًا كوعاء عقاري لها، وهي التي تم توفير 60 مليون درهم بالنسبة لها.
“خرق قوانين”
استعرض الفاعل ذاته كذلك تفاصيل بشأن مشاريع أنوية جامعية أخرى عرفت المصير ذاته بأقاليم مختلفة من المملكة، رغم توفير الأغلفة المالية والأوعية العقارية الخاصة بها، ومنها مشاريع صودق عليها ووقّعت بشأنها اتفاقيات، بل وصدر قرار استحداثها في الجريدة الرسمية، “قبل أن يفاجأ الرأي العام بتصريح الوزير الوصي بأنه أوقف كل هذه المشاريع في انتظار الانتهاء من إعداد المخطط المديري الذي لم ير النور ولم نسمع عنه إلا في أجوبته”.
وأشار رئيس المرصد الوطني للتربية والتكوين إلى “ضياع الميزانيات التي كانت رُصدت لمشاريع الأنوية الجامعية وغابت في نصوص عدد من القوانين المالية اللاحقة، بل وضاعت أيضًا حتى الأوعية العقارية التي كانت مخصصة لتشييدها، بمجرد تغير المشهد الحكومي في المغرب”؛ كما لفت إلى أن “الوزارة، وبتنسيق مع رؤساء الجامعات، تشتغل على مشاريع قابلة للإنجاز في بعض الأقاليم، إما من خلال تشييد بناءات جديدة وإما بتحويل بعضها إلى مؤسسات للتعليم العالي تلائم المنطقة”.
وشدد المتحدث على أن “إشكالية الأنوية الجامعية المتعطلة تطرح سؤالًا جديًا حول خرق القوانين المنظمة للعمل الحكومي والترابي، وحول احترام القرارات والاتفاقيات، والأهم من ذلك مبدأ استمرارية المرفق العام”، متمنيا “ألاّ تتكرر مثل هذه القرارات لأنها تسيء للوطن قبل أن تسيء لأصحابها”، وفق تعبيره.