أخبار عاجلة
رئيس إيران: إسرائيل حاولت اغتيالي خلال الحرب -

إسرائيل من الداخل .. المشروع الصهيوني بين "لعنة العقد الثامن" وحتمية الزوال

إسرائيل من الداخل .. المشروع الصهيوني بين "لعنة العقد الثامن" وحتمية الزوال
إسرائيل من الداخل .. المشروع الصهيوني بين "لعنة العقد الثامن" وحتمية الزوال

لا تمثل إسرائيل، في بنيتها الراهنة، مجرد دولة استعمارية تقليدية، بل كيانًا فريدًا أُسّس على منطق لا يحتمل البقاء إلاّ بالقوة، وأحيانا بالخرافة.

فحين تُقام دولة على أرض مأهولة، باسم وعدٍ لاهوتي وأساطير تاريخية، وبمنطق استثناء ذاتي يضعها فوق القانون الدولي وحقوق الإنسان، يصبح الحديث عن زوالها فرضية واقعية، لا مجرد رغبة أو دعاية.

منذ نشأتها، قامت إسرائيل على ثلاث ركائز مركزية: الديمقراطية، والملاذ الآمن، والهوية اليهودية الجامعة.

لكن هذه الركائز تآكلت واحدة تلو الأخرى.

فالديمقراطية تحوّلت إلى نظام فصل عنصري، والملاذ الآمن بات أرضًا للقلق والخوف والهجرة العكسية، أما الهوية اليهودية فتمزّقت بفعل صراعات دينية وإثنية وثقافية عمّقتها الدولة بدلًا من احتوائها.

في قلب هذا التمزق، يبرز التناقض الجوهري بين اليهودية كديانة، والصهيونية كأيديولوجيا قومية.

فمنذ أواخر القرن التاسع عشر، رفضت حركات دينية كبرى، منها “ناطوري كارتا” و”ساطمر”، فكرة إقامة دولة يهودية على يد البشر، باعتبارها خروجا على الميثاق الإلهي.

هذه المعارضة لم تكن خطابًا رمزيًا، بل رؤية فكرية وأخلاقية وسياسية نابعة من داخل العالم اليهودي ذاته، اعتبرت الصهيونية تهديدًا للوجود اليهودي، لا حاميًا عنه.

ومع صعود التيارات اليمينية الدينية، تراجع المشروع الصهيوني إلى شكل من أشكال اللاهوت القومي، مفرغًا من مضمونه المدني.

وكما حذّر رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك، فإن إسرائيل تدخل عقدها الثامن وهي مثقلة بإرث تاريخي ثقيل؛ إذ لم تُعمَّر أي من التجربتين السابقتين للحكم اليهودي (مملكة داود ومملكة الحشمونائيم) أكثر من ثمانين عامًا، وقد بدأ تفككهما في العقد الثامن تحديدًا، نتيجة صراعات داخلية واستقطاب سياسي أفضى إلى انهيارهما.

قبل ثلاث سنوات، أعرب باراك عن خشيته من أن تكون إسرائيل الحديثة قد دخلت “لعنة العقد الثامن”، في ظل انقسام داخلي غير مسبوق، وتفكك اجتماعي وأيديولوجي متسارع.

وقد شبّه واقعها بمآل دول كبرى في تاريخها الثامن: أميركا التي دخلت حربًا أهلية، ألمانيا النازية، إيطاليا الفاشية، والاتحاد السوفياتي الذي انهار في نهاية عقده الثامن.

الانقسام الإسرائيلي المعاصر لا يتوقف عند الأيديولوجيا، بل يمتد إلى المؤسسات والمجتمع.

الاحتجاجات الواسعة على حكومة نتنياهو، والتجاذب حول صلاحيات القضاء، وتراجع ثقة الشارع بالدولة، كلها مؤشرات على بنية تتصدّع من الداخل.

أضف إلى ذلك تراجع الحماسة للخدمة العسكرية، وارتفاع معدلات الفقر، وتقلّص أعداد المهاجرين الجدد، مقابل تزايد الهجرة العكسية إلى أوروبا وأميركا.

خارجيًا، اهتزت صورة إسرائيل كـ”ديمقراطية” محصّنة.

وثّقت كاميرات العالم مشاهد القصف والتهجير والإبادة في غزة، وانكشفت أسطورة الجيش المتفوّق والأمن المطلق.

ولأول مرة، تتزايد دعوات المقاطعة في الجامعات الغربية، وتُفتح ملفات مساءلة قانونية، ويُعترف بفلسطين كدولة من قبل دول أوروبية فاعلة.

إن المقارنة مع نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا لم تعد حكرًا على الأكاديميين، بل باتت قاعدة في التحليل الحقوقي الدولي.

فكما فشل نظام بريتوريا في إخماد مقاومة السود، أخفقت إسرائيل في إخماد نضال الفلسطينيين.

الفرق أن جنوب أفريقيا أُجبرت على التحول، بينما تصرّ إسرائيل على الاستمرار في مسار انتحاري أخلاقي وتاريخي.

لكن الزوال، هنا، لا يعني بالضرورة الانهيار العسكري.

إنه، أولًا، زوال سردي وأخلاقي.

كيان لا ينتج عدالة داخلية، ولا يؤمّن مواطنيه، ولا يؤسس لشرعية مستقلة، هو كيان هش، مهما بلغت قوته.

مشروع لا يستطيع العيش دون دعم خارجي دائم، ولا يملك إجماعًا داخليًا، هو أقرب إلى الهيكل المؤقت منه إلى الدولة المستقرة.

وقد قال إسحاق رابين، القائد العسكري رئيس الوزراء الأسبق، وهو ينظر من طائرته إلى صحراء سيناء بعد حرب 1967: “لكن ما الذي سيبقى من كل هذا؟”.

سؤال لا يزال يتردّد اليوم، بصيغ أكثر حدة، من داخل إسرائيل نفسها: من جنرالات، ومفكرين، ومؤرخين يقرؤون الواقع باعتباره مأزقًا وجوديًا لا يمكن إصلاحه.

قد لا تكون النهاية قريبة من حيث التوقيت، لكنها باتت ملموسة من حيث المعنى.

تظهر ملامحها في التآكل الداخلي، في العزلة المتزايدة، في انعدام الأفق المشترك، وفي سقوط الأسطورة التي وُصفت يومًا بأنها “الديمقراطية الوحيدة في الشرق”.

لم تعد كذلك.

بل أصبحت كيانًا مأزومًا، يطارد ظله، في محاولة يائسة للهرب من التاريخ.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق المجلس الأعلى للشئون الإسلامية يشارك في معرض "مكتبة الإسكندرية" الدولي للكتاب
التالى الجيش اللبناني يحذر من الشائعات.. ضرورة توخي الدقة بنقل الأخبار وخاصة المتعلقة بالحدود مع سوريا