أخبار عاجلة

"أنطولوجيا الحوارات" .. حميد برادة يروي التاريخ بأصوات شخصيات مغاربية

"أنطولوجيا الحوارات" .. حميد برادة يروي التاريخ بأصوات شخصيات مغاربية
"أنطولوجيا الحوارات" .. حميد برادة يروي التاريخ بأصوات شخصيات مغاربية

“سأحكي لكم حكاية”، عبارة تكررت مرات على لسان الصحافي المغربي والمعارض السياسي السابق حميد برادة، خلال لقاء تقديم مختارات من حوارات حياته المهنية الممتدة معظم النصف الثاني من القرن العشرين والعقدين الأوليين من القرن الحادي والعشرين، لإيصال رؤيته، أو تجربته، حول شخصيات وبلدان وأحداث.

كتاب “حميد برادة: أنطولوجيا الحوارات”، الصادر بأصله الفرنسي عن منشورات “كيلت”، بدعم من مجلس الجالية المغربية بالخارج، في أزيد من سبعمائة صفحة، يضم في جزئه الأول منتخبات من حوارات الصحافي حميد برادة مع شخصيات سياسية وثقافية وإعلامية، من بينها على سبيل المثال لا الحصر: الملك الحسن الثاني، عبد الله العروي، عبد الرحمان اليوسفي، جرمان عياش، أحمد بن بلة، حسين أيت أحمد، راشد الغنوشي، ليوبولد سيدار سنغور، جون لاكوتير، الفقيه البصري، إيريك لورون، أحمد رضا اكديرة، امحمد بوستة، بوعلام صنصال، ومحمد حربي.

وفي اللقاء الذي استقبلته مكتبة متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر بالرباط، الجمعة، قدّم أستاذ الإعلام والثقافة والكتابة الإبداعية إدريس كسيكس هذه “المنتخبات” قائلا: “هذا المؤلف مهم، وفي الآن ذاته غير منتظر؛ لأن حميداً برادة من الشخصيات المحترمة من أعلام الصحافة، وقبل أن يكون صحافيا كان ملتزما سياسيا، وأول ما اكتشفتُه منه مقاله حول أبيه عبد القادر برادة، وما وقع له”.

هنا نطق حميد برادة كلماته الأولى في اللقاء، متعجبا: “كتبتُ مقالا حول ذلك!؟”، أي حول اغتيال أبيه الذي كان قياديا في حزب الشورى والاستقلال، في سياق الإبادة التي طالت فرقاء سياسيين بعد استقلال المغرب سنة 1956، ليجيب كسيكس: “أجل”، ثم أردف: “حزب الاستقلال لم يرد يوما فتح أرشيفاته حول هذه الفترة الدموية، في علاقة بحزب الشورى”، وهو ما أمّن عليه حميد برادة بحركة رأسه.

وتابع المقدّم حديثه عن “الكتاب الثمين جدا”، قائلا إنه “مهم لأنه ليست لنا مثل هذه الرؤية الممتدة عبر العقود لآراء (…) ورؤى متعدّدة (…) الغالب فيها هو المغارب”، لمدّة تقارب الخمسين سنة؛ وتمكّن من رؤية “قطع أحجية تاريخية، نادرة جدا، وتضفي معنى على قضايا متعددة، مثل السؤال الفلسطيني، والسؤال المغاربي والسلطة، والمسألة الإسلامية”.

حميد برادة، الذي كان محكوما بالإعدام مع المهدي بن بركة بسبب موقفه إثر “حرب الرمال” سنة 1963، لما كان رئيسا للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وناب عن المعارض اليساري المُغتال بباريس في “مؤتمر القارات الثلاث”، وصار بعد ذلك رئيس تحرير مجلة “جون أفريك”، وكان الصحافي المغربي، الأول والأخير، الذي حاور الملك الحسن الثاني، كشف في البداية أنه لم يكن المبادر لنشر الكتاب، ولم ينتقِ حواراته، لكن “النتيجة كانت ممتازة؛ ويمكن قراءة المنتخبات مثل قائمة طعام تختار منها ما تريد أكله”.

ثم تحدّث برادة عن حواره مع الملك الحسن الثاني، تفاعلا مع سؤال حول الأمر: “أجل، أنا المغربي الوحيد الذي حاوره، فعلا، لكن الأمر أعقد من ذلك”؛ إذ جاء الأمر في سياق إعداد صديقه جاك بنسيمون وثائقيا بكندا حول الصحراء المغربية، كان يريد محاورته فيه، فاقترح عليه “ما هو أحسن”؛ أن يطلبا من الملك الحسن الثاني المشاركة، وهو ما تمّ، وضرب الموعد، قبل أن يؤجّل؛ هنا كان عليه اللقاء بوزير الداخلية القويّ آنذاك إدريس البصري في الشاطئ بلباس السباحة للدردشة حول الموضوع، حيث سأله برادة، من بين الأسئلة: “لِم لا تحلّون (مسألة) المعتقلين السياسيين”، والسياسي أبرهام السرفاتي خاصة، فكان الجواب أن ذِكر السرفاتي عند حوار الملك “تشريف مبالغ فيه”.

ويعلّق برادة على ما استشفّه من الإعداد للحوار وإجرائه: “كل ما تخيلته حول الملك كان خاطئا، وكل تصوّري له هو ما حكاه لي عبد الرحيم (بوعبيد).. وجدته صبورا جدا، ويُهندس، وذا ردّ فعل سريع”.

وحول قصّته مع الكتابة فاجأ برادة محاوِره قائلا إن له كثيرا من الألم معها، وإنه كان يخوضها بقلم وممحاة، وبالتالي كانت الحوارات “لأنهم سيتحدثون، لا أنا. وهذه طريقة لستر عيوبي. المحاوَرون ينقذونني. وليست علاقتي بالكتابة علاقة رضا. لكن الآن عندما أقرأ ما كتبت، مع تحقّق المسافة، أقول: لم يكن سيئا”.

وفي تعليق على حواره المعارض السياسي الفقيه البصري “البلانْكي”، كما سمّاه المحاوِر، علّق برادة أولا بسخرية خفيفة سريعة: “لم يكن ليفهم هذا المفهوم”، ثم تحدّث عن اختفاء الفقيه بعد الأحداث المعروفة بـ”مؤامرة قلب نظام الحكم” التي توبع بموجبها آلاف المنتمين إلى “الاتحاد الوطني للقوات الشعبية”، وتحدّث بوثب وصمت، حتى قال: “لقد كان يكرّر الحماقات نفسها دائما، ولا يقوم إلا بما في ذهنه”، وتكرّر الأمر حتى بعد عودته للمغرب بعد وفاة الملك الحسن الثاني.

وحول تجربته بالجزائر التي حمل لسنوات جواز سفر دبلوماسيا باسمها بعد الحكم عليه بالإعدام في المغرب قال الرئيس السابق لاتحاد طلبة المغرب إنه عبر صديق له حصل على منحة كانت مصدر عيشه، وقد كان له مع مسؤوليها “الاحترام دون أي علاقة”، لكن المشكل برز مع سلطتها “بعد المسيرة الخضراء” سنة 1975، موردا: “كنت سأسافر من الجزائر إلى فرنسا، وأوقفت للمرة الأولى بالمطار رغم حملي جوازا دبلوماسيا. وتجنّبوني في الحديث، حتى فوّتتُ خمس أو ستّ طائرات إلى باريس ذلك اليوم، قبل أن أعود إلى المنزل بالجزائر العاصمة (…) وبعد ذلك اتصلت بشخص في الحزب (…) وكان لي لقاء بمسؤول جزائري مكلّف بجزائريّي أوروبا (…) فأخبرني بأن مغاربة يساريين من ‘حركة 23 مارس’ طلب منهم الاجتماع ورفضوا لوجود البوليساريو؛ وقال ‘لهم جوازات ويرفضون!’، وهنا سلّمت جواز سفري. واتصلت بـ بن يحمد (مؤسس جون أفريك ومديرها حتى وفاته)، وقلت له: لا نشاط سياسيا لي، وعندما أسافر، أسافر لصالح ‘جون أفريك’. فاطلب لي جوازا من سنغور (رئيس السنغال) أو ولد دادة (رئيس موريتانيا)”.

ثم أكمل المتحدث القصة التي حدثت في وقت لاحق: “في عشاء جمع البشير بن يحمد بالسفير المغربي في باريس يوسف بلعباس تلقائيا قال له السفير: هو مغربي، وهكذا جاء عبد القادر الجاي إلى جون أفريك بالوثائق، ووقعتها، وحصلت على جواز السفر المغربي”.

وفي سياق قصة عودته إلى المغرب دون “عفو ملكي” من حكم الإعدام غير المنفّذ وغير المعفى منه ذكر برادة: “بالسنغال في حوار مع سنغور أعطانا طائرة فارغة لنعود. ونحن ذاهبون اكتشفنا مع بن يحمد أنها ستتوقف في البيضاء. قال لي: سيوقفونك. قلتُ له: لا أظن، ليست هذه ممارستهم. وكان لدي جوازي الدبلوماسي الجزائري. فلمّا دخلنا المطار، قال لي الموظّف بعد الختم: ‘مرحبا بيك سّي برادة فْبلادك’. وتعجب لهذا بن يحمد كثيرا. هذا هو المغرب”.

وفي محطة أخرى تحدّث برادة عن “كيف يشتغل المغرب”، حول زيارته المغرب وتخوّفه من الاعتقال، فكان أن ربط موعدا مع المستشار الملكي أحمد رضا اكديرة عبر زميل له في “جون أفريك”، وهما واقفان في فندق فرنسي أعطاه المستشار رقما للاتصال به حول تاريخ الرحلة؛ وهكذا دخل دون إشكال.

وفي معرض حديثه عن الأحداث، ووجهات النظر، والروايات، ذكر حميد برادة أن “الحقيقة التاريخية مركبة كثيرا”؛ وقدم مثالا بما قاده للحكم عليه بالإعدام لمّا حمّل في الجزائر الملك الحسن الثاني مسؤولية بدء “حرب الرمال” المغربية الجزائرية، وكان في الفترة نفسها المهدي بن بركة في القاهرة يندّد عبر “صوت العرب” بمن أطلق الحرب.

واسترسل المتحدث شارحا: “بالنسبة للجميع هو من دفعني لهذا الموقف. ومولاي عبد السلام الجبلي بدوره كتب ذلك، وهو صديق (…) لكن الأمر غير ذلك: بعد موقف للاتحاد الوطني لطلبة المغرب الذي كنتُ أقوده حول ‘مؤامرة قلب نظام الحكم’ عُذّبتُ ثلاثة أيام بدار المقري، وبعد ذلك استنطقني أوفقير وبنسليمان في مخفر، وأطلق سراحي. عقب ذلك جددنا موقفنا على المستوى الطلابي المغاربي، فتجدد الاعتقال، ومن الصعب جدا أن أحكي… سأحكي لكم في حياة أخرى كيف هربت”.

“وفي الليلة التي كانت ستنطلق فيها الحرب تنكرت على هيئة يهودي، وقرأت بعد ذلك في جريدة مطالبة الطلبة المغاربة بموقف من الحرب بين الجزائر والمغرب”، يردف برادة، مضيفا أنه في الاجتماع الذي شارك فيه بالجزائر قال ما قاله حول دور الملك في الحرب، و”لم أعِد إلى اليوم سماع ما قلته آنذاك، وهو ما قاد إلى محاكمتي محاكمة عسكرية بالمغرب، وحكم بالإعدام”.

وزاد المتحدث: “رأيت المهدي أسبوعا بعد ذلك وقال لي: لقد قمتَ بحماقة! أجبت: أيّة حماقة؟! قال: لِم نددت بالحسن الثاني؟ فلما أخبرته بأنه قام بالشيء نفسه نفى ذلك قائلا: بل قلتُ ينبغي إيقاف اليد التي أطلقت شرارة الحرب”.

وتابع برادة حاكيا: “كان هذا التصريح للمهدي بسبب أن جمالاً عبد الناصر أخذ المبادرة لتحريك بن عبد الكريم الخطابي لدعم أحمد بن بلة، وكلّف تونسيا هو إبراهيم طوبال، وهو معارض تونسي، وفي الوقت نفسه من المخابرات التونسية والمصرية (…) وفي طريقه إلى الخطابي وجد المهدي الذي قال له: أنا سأقوم بذلك”، وهو ما قدّر أنه أتى “في إطار صراع حول بن بلة، الذي لم يكن يحب المهدي، بل الفقيه البصري؛ وبكلمته نجح في الصراع، وعيّنه بن بلة مستشارا، وأعطاه مرتّبا”.

وحول علاقته بعبد الرحمان اليوسفي قال الصحافي ذاته إنها “كانت جيدة جدا عندما كان في السلطة”، وتحدّث عن فيلم سجّله حوله، و”قبل تقديمه، أراد رؤيته، فقدمتُ عنده، مع الموضّب (…) وفي العشاء قلت له (حتى يستثير كلامه) لديك مشكل. فكان سؤال اليوسفي: ما هو؟ ليردّ برادة: ليس لك أصدقاء”. وهكذا توالى الأخذ والرد: “أجل. من الصديق؟ هو من تأتمنه على سر.

إذن، لا صديق لك”. وتحدّث الوزير الأول الأسبق عن رفاق له، وما وقع معهم، مثل المحجوب بن الصديق، وعبد الله إبراهيم، لتكون ثمرة النقاش قول عبد الرحمن اليوسفي: “الحسن الثاني هو صديقي الوحيد”، وفق ما رواه برادة.

وتفاعلا مع سؤال حول الراهن السياسي المغربي رأى حميد برادة أن “الجيد في المغرب أنه لا توجد حقيقة رسمية؛ فلا يوجد تأطير للحقيقة، أي إنها لا تقتضي أن تكون جزءا من إطار (محدّد سلفا)”، موردا أن هذا “لا يمكن التفكير فيه في تونس والجزائر وفرنسا”، ومستحضرا في السياق التونسي ما يفرضه الواقع على الرئيس التونسي من أن يعتقل ويسجن ويسبّ ليكون، بينما في المغرب الملكية متحقّقة ومعمّمة ولا تحتاج فرض نفسها؛ كما استحضر في مقابل هذا “النقاشات حول ‘الأبيّين’ (الأباة) في فرنسا، في ظلّ وجود ‘حقيقة’ محدّدة سلفا في المجتمع السياسي والإعلامي تلفظ من لا ينصاع لإطارها”.

وزاد المتحدث مستحضرا قراءته جريدةً مغربية، وصفَها المسيّر إدريس كسيكس بأنها تقدّم “الدعاية (البروباغاندا)”، وهو ما لم ينفه حميد برادة، لكنه علّق منتصرا لفكرته حول عدم وجود “حقيقة رسمية” تفرض أن ينصاع لها الجميع في المغرب، خاتما: “هذه الصحيفة (…) يقولون ما يريدونه، ولا يفرضونه”.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق بالبلدي: طرقت الشرطة باب منزلها لإجلائها عاجلا.. شاهد لحظات سبقت فيضانا كارثيا
التالى الاتحاد يطلب ضم موهبة الأهلي ضمن صفقة مروان عطية