لقاء غني استقبل فيه ياسين عدنان، في بودكاست “في الاستشراق” الذي يعرض عبر منصة “مجتمع”، الأكاديمي المغربي أحمد شحلان، المتخصص في اللغات والحضارات الشرقية وعضو أكاديمية المملكة المغربية والمسؤول عن قسم “العبرية” في “المعجم التاريخي للغة العربية” الصادر بالشارقة في 127 مجلّدا.
وقال أحمد شحلان إن التسمية السليمة لما يُسمّى “اللغات السامية” هي “اللغات العُربانية”؛ لأنه ومتخصّصين آخرين “فضّلوا ربطها بموطنها الأصلي الجزيرة العربية”، والمشترك بينها “العربات” وهي موطنهم.
وزاد المتخصص في العبرية والآرامية: “اللغة تكون في منبت واحد، ويضطر السكان للهجرة، فيفقدون مسميات لا يجدونها في المكان الآخر، ويجدون أشياء عليهم أن يسمّوها”، ويتقون بلغات أخرى، مثل الفارسية؛ اللغة الهندوأوروبية.
وحول إطلاق شلوتزر اسم اللغات السامية على اللغات الآكادية، الآرامية، السريانية، الفينيقية، العربية، الأوغاريتية، الحبشية، والعبرية، ولغات أخرى، فسّر شحلان أن أصل هذا نسبة اللغات إلى “سام”، “وحام” و”يافت”، أبناء نوح حسب “العهد العتيق”، وقد “نسب اللغات الهندو أوروبية إلى “يافت” ومعناه جميل، مثل يافا”؛ والمشكل أن “هذا تصنيف لم يضم كل اللغات السامية، وأخرج من اللغات السامية لغات منها. وللأسف تبنى كثير من الباحثين الغربيين هذه التسمية”.
واللغاتُ العربانيّة من “عائلة واحدة”؛ فـ”البنية اللغوية متماثلة: الماضي والمضارع والأمر، وجل هذه اللغات ثلاثية، ومبنية على تراتبية فاعل ومفعول… وأسماء الحيوانات والأماكن والضمائر مشتركة لأن البيئة مشتركة”، واسترسل موضّحا أن “اللغة العربية أم لا شقيقة لهذه اللغات أو هي المباشرة بعد الأم للعُربانيات (…) فهي احتفظت على بنية العُربانية، وحافظت على الإعراب، وميزت بين المثنى والجمع، والمذكر والمؤنث، واحتفظت بمعجم ضخم جدا لا يتمثل في أي لغة من هذه اللغات”.
وأردف المتخصص في العبرية: “العبرية في أصلها ليست إلا لهجة تفتقد الإعراب والتمييز بين المثنى والجمع، ومعجمها أقل بكثير من اللغة الأم، ولا يمكن للغة معجمها فيه بضعة آلاف أن تكون أما للغة معجمها بالملايين (…) وأقدمية اللغة ليست هي أقدمية الكتابة، فكل الكتابات حديثة الكتابة. والعربية أقدم بآلاف السنين من لغة التوراة ومن التوراة”.
وحول التوراة، ذكر المتخصّص في “العهد العتيق” أن “عزرا الكاتب”، المعروف عندنا بعُزَير، “هو الذي غيّر كل مفهوم اليهودية بمنظور آخر. (…) الفارق بين تدوين الكتاب الموجود بين أيدينا وعهد موسى 9 قرون، ولا يوجد أي نص للعهد القديم بالتواتر إلى عهد موسى، ولو أنه قد كانت هناك أمور شفوية إلا أنها لم تكن مكتوبة. واسبينوزا شكّك حتى في جمع عزرا، ولكن لنأخذ بأنه جمع، ماذا نفهم بما فعله: أخذ النواة. لكن في مكونات العهد العتيق آداب ما بين النهرين تكوّن جزءا كبيرا.. كبيرا جدا”.
وواصل: “أوغاريت في سوريا بجنوب حلب اكتُشفت قبل خمسين أو ستين سنة، ووُجدت فيها آلاف النقوش والكتابات التي تتضمن أجزاء تكاد تكون هي هي ما يوجد في العهد العتيق (…) أي إضافة إلى نواة سيدنا موسى، جمّع العهد العتيق كثيرا من تراث ما بين النهرين وتراث الشام على اختلاف المناطق والتراث والمكتوبات (…) والعهد العتيق أخذ حدثا تاريخيا، ذكر قبل ذلك في ملحمة جلجامش، والقرآن بعد ذلك؛ وقصة القرآن منتقاة انتقاء، بينما التوراة دخلت في تدقيقات (…) والتشابه دليل أنه حدث تاريخي حقيقي”.
وأردف شحلان: “العهد العتيق يتضمن جماع الآداب والتراث المكتوب في ما بين النهرين والشام، مثل الوصايا العشر التي وردت بعدها مجموعة طويلة بمثابة ملحق من الشرائع العبرية اليهودية، وما تدل عليه اجتماعيا واقتصاديا لم يكن بطبيعة الحال أيام موسى على الإطلاق، وتلك الأوصاف لم تكن في ذلك المجتمع، مثل ملكية العبيد، وقتل ثور، وسرقة الأشخاص (…) وتضمنت كثيرا من قوانين ما بين النهرين، وخاصة قانون حمورابي ببنوده 282، وتكاد تكون متطابقة بالكامل معها”، وقدّم بضعة أمثلة عن التطابق مع هذا القانون الذي “كان مكتوبا وموضوعا في المدينة مسماريا، وهذا دليل على أن الناس يقرؤون؛ والبند 117 مفاده أن الرجل الذي لم يستطع ردّ الدين يصير مِلكا بدين. والبند 195 الذي يتحدث عن قطع يد الابن الذي ضرب أباه. والبند 197 حول العين بالعين”، وغيرها الكثير.
ثم أشار إلى أن “كثيرا من نصوص العهد العتيق وردت بالحرف في الأناجيل”؛ مما يعني أن هذا “إرث حضاري إنساني تمثّل في قضايا وأحداث وردت في الكتابات القديمة”.
وسجّل المتخصّص في اللغات والحضارات الشرقية أن “الإغريق ورثوا من الحضارة الشرقية الكثير، لكن كتب الغرب لا تتحدث إلا عن كتبهم. علما أن أهم ما ورثوه هو الحروف الألفبائية الفينيقية (…) الفكر الإغريقي نتاج الفكر والحضارة الشرقية، ابن النديم وشيئا ما ابن حزم، وتاريخ هيرودوت يتطرّق لهذا… لكن من الغريب أن الغرب سكت عن ثمانية قرون من حضارتنا، وللأسف لم نهتم بالعلوم الأركيولوجية ولم نهتم باللغات القديمة الشرقية؛ فتركناه ينظر فيها ويستنتج منها ما يوافقه هو، وعندما نرجع إليها نحن ونكون من ينتج ستكون الأمور على وجه آخر”.
ومن بين ما وضّحه شحلان أن “اللغة الأصلية للتوراة لم تصلنا، وعزرا من كتبها بالعبرية بعد ذلك بقرون، وهي العبرية التي وصلتنا. أما الذين أرخوا للغة العبرية فما كتبوه غير واضح جدا (…) واليهود يقولون إن التوراة وحي مكتوب، والتلموذ يعتبرونه وحيا شفويا، وهي الكتابة المتوارثة عن أجيال من الأحبار، وجمّعت بالأخص في العراق، وصولا إلى العهد الإسلامي. وقسماه هما المشنا: المكتوب بالعبرية المتأثرة بالآرامية. والجمارا: وهو جزء مكتوب بالآرامية”.
وتابع: “اللغة العبرية القديمة استعملت خمسة قرون قبل النفي البابلي، أما اللغة العبرية الوسيطة فتطوّرت في الأندلس بفضل العربية (وقدّم عدّة مراجع كأمثلة في النحو واللغة والتصوّف)”، أما “اللغة العبرية الحديثة فبدأت بعد عشرينات القرن العشرين، وهي لغة أخلاط لأنه قد دخلت عليها مفردات من مختلف اللغات التي يتحدّثها اليهود الذين قدموا إلى فلسطين، وكل عمر هذه اللغات التي تشكّل لغة واحدة 600 سنة، واليوم المتخصصون في العربية الحديثة لا يستطيعون ترجمة نصوص اللغة العبرية الوسيطة بالأندلس.
وحول سبب نجاح العبرية في أن تكون لغة علم بدولة الاحتلال إسرائيل، فسّر أحمد شحلان الأمر بأن “هؤلاء جعلوا اللغة عقيدة، وربطوا بينها وبين الكيان، وركّزوا هذا في الأذهان (…) أسست ألمانيا معهدا للزراعة في حيفا، في القرن الماضي قبل قيام الدولة، ووضعت له برنامجا بالألمانية، فقامت القيامة بأن التدريس لن يكون إلا بالعبرية، وفُرضت اللغة العبرية.
وكانت هناك مظاهرات لكتابة جميع اللوحات العمومية بالعبرية، والترقي الاجتماعي للموظّف وزيادة مرتّبه مرتبطٌ بتمكّنه من استعمال العبرية”.
المتخصّص البارز دوليا في العبرية واللغات الشرقية وضّح أن “التصور العرقي لليهودية تصوّر صهيوني”، أما “اليهودية الأصل فهي دعوية غير عرقية”، واستحضر في هذا السياق ما كتبه المؤرخ الإسرائيلي شلومو ساند في كتاب “اختراع الشعب اليهودي”، وما كتبه الكاتب المغربي إدمون عمران المليح، وعلماء آخرون، فضلا عن شهادات تاريخية من النصوص الدينية ومن التاريخ.
وشدّد كاتب “اليهود المغاربة من منبت الأصول إلى رياح الفرقة” على أن “الجزء الكبير من اليهود المغاربة ذوو أصول مغربية، وتهوّدوا لإيمانهم بالتوحيد، وهم أبناء تربة المغرب”.