هشام عكاشة: المصارف العربية مطالبة بموازنة ...

هشام عكاشة - الرئيس التنفيذي لبنك مصر

أكد الأستاذ هشام عكاشة، الرئيس التنفيذي لبنك مصر ونائب رئيس مجلس إدارة اتحاد بنوك مصر، أن الصناعة المصرفية العربية تمرّ بمرحلة دقيقة تفرض عليها تبنّي استراتيجيات متطورة لإدارة المخاطر ومواكبة الابتكار.

جاء ذلك خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية لفعاليات «الملتقى السنوي لرؤساء إدارات المخاطر في المصارف العربية» الذي ينظمه اتحاد المصارف العربية بالتعاون مع اتحاد بنوك مصر، وتحت رعاية البنك المركزي المصري بمدينة شرم الشيخ في الفترة من 4 إلى 6 يوليو 2025.

البيئة الجيوسياسية تفرض ضغوطًا جديدة

وأشار عكاشة إلى أن الصراعات الممتدة في المنطقة والعالم، إلى جانب التقلبات في أسواق العملات وأسعار السلع الأساسية، رفعت من حالة عدم اليقين، ما انعكس على سياسات البنوك العربية التي باتت أكثر حذراً في تعاملاتها، وأثر بدوره على أسواق الأسهم العالمية وتكاليف تأمين الشحن البحري عبر الممرات المائية الحيوية.

وأوضح أن بعض الاقتصادات العربية تواجه ضغوطًا مباشرة وغير مباشرة قد تؤثر على إيرادات السياحة والاستثمارات، رغم أن مصر نجحت، بفضل سياسات مالية ونقدية رشيدة، في تأمين الجهاز المصرفي وتوفير مخزون استراتيجي من السلع الأساسية بإشراف محكم من البنك المركزي المصري.

التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي

وتطرق عكاشة إلى التحولات الجوهرية التي تشهدها الصناعة المصرفية، مؤكدًا أن البنوك مطالبة اليوم بتبني استراتيجيات استباقية تمزج بين التكنولوجيا والحوكمة، وتوازن بين الامتثال التنظيمي والمنافسة السوقية.

وأضاف أن الابتكار التكنولوجي، بما في ذلك الخدمات المصرفية المفتوحة والذكاء الاصطناعي، ساهم في تحسين كفاءة العمليات وتجربة العملاء، لكنه أدخل في المقابل مخاطر جديدة تتعلق بالخصوصية والأمن السيبراني وحوكمة البيانات.

وقال عكاشة: «لقد أصبح تكامل البيانات من مصادر متعددة وتدقيق جودتها مسألة حيوية. ففي ظل سرعة تدفق المعلومات وتضاربها أحيانًا مع ما ينشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لا بد أن نضمن موثوقية البيانات وصحتها لتفعيل أدوات التحليل والابتكار بكفاءة».

إدارة المخاطر في عصر الذكاء الاصطناعي

وأوضح أن الذكاء الاصطناعي بات يلعب دورًا محوريًا في إدارة المخاطر، سواء في تقييم الجدارة الائتمانية أو رصد أنماط الاحتيال أو تعزيز الامتثال، غير أن هذه النماذج الذكية قد تنطوي على تحديات تتعلق بالشفافية والتحيزات الخفية، ما يستدعي وضع أطر تنظيمية صارمة وضمان إشراك الجهات الرقابية في صياغة ضوابط الذكاء الاصطناعي المسؤول.

وأشار إلى أن الخدمات المصرفية المفتوحة فرضت واقعًا جديدًا يتطلب موازنة دقيقة بين الانفتاح والخصوصية، خاصة مع إتاحة مشاركة البيانات مع أطراف ثالثة، ما يستلزم بناء تحالفات دفاعية قوية تشمل المصارف ومزودي الخدمات والجهات التنظيمية لحماية أمن البيانات وضمان استمرارية الخدمات.

سلوك العملاء وتحديات الودائع

وأكد عكاشة أن التحولات الرقمية أدت إلى تغييرات جوهرية في سلوك المودعين الذين باتوا أكثر حساسية للعوائد وأكثر تأثرًا بالمعلومات المنتشرة بسرعة عبر وسائل الإعلام الاجتماعي، مما يزيد من صعوبة التنبؤ بالتدفقات النقدية وحركة الودائع.

وأشاد بنجاح الجهاز المصرفي المصري في تحقيق نمو مطرد في حجم الودائع واستقطاب شرائح جديدة من العملاء في إطار سياسات الشمول المالي التي يتبناها البنك المركزي.

البنوك المركزية: صمام أمان

ونوه عكاشة بالدور الحيوي للبنوك المركزية كضامن للاستقرار النقدي والمالي من خلال أدوات السياسة النقدية وإدارة الاحتياطات الإلزامية وتسهيلات الإقراض الطارئ والإشراف الاحترازي، مشددًا على أهمية هذا الدور في تمكين المصارف من مواجهة التقلبات غير المتوقعة في سلوك الودائع وضمان استمرار تدفق الائتمان إلى الاقتصاد.

وفي ختام كلمته، دعا عكاشة إلى بناء تحالفات قوية داخل القطاع المصرفي وخارجه، إلى جانب تعزيز جهود التوعية لحماية العملاء من عمليات الاحتيال، خاصة مع استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في انتحال الهوية والتلاعب بالمعلومات.

وشدد على ضرورة تطوير المهارات الفنية في الأمن السيبراني وتحليل البيانات وإدارة المخاطر عبر التدريب المستمر، فضلًا عن المشاركة الفاعلة في صياغة اللوائح التنظيمية بما يحقق التوازن بين الابتكار والحماية.

وأعرب عكاشة عن شكره لاتحاد المصارف العربية والقائمين على تنظيم الملتقى بمدينة شرم الشيخ، متمنيًا أن تخرج النقاشات بأفكار عملية تدعم استقرار القطاع المصرفي العربي وتعظم استفادته من الفرص المستقبلية في بيئة متغيرة ومعقدة.