قال محمد سعد برادة، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، إن القضاء على ظاهرة الغياب ومن ثمّ على الهدر المدرسي رهان “ممكن بالاستناد إلى الذكاء الاصطناعي”، موضحا أن “تعبئة لائحة الغياب أمر يومي؛ لكنها لا تُدرج ضمن نظام تقني. وبالتالي، حين تبدأ جهود مكافحة الهدر من الصعب معرفة التلاميذ الحاضرين داخل المدرسة وغير المتواجدين”.
وأورد برادة، خلال مشاركته بجلسة نقاشية على هامش المناظرة الوطنية للذكاء الاصطناعي، اليوم الثلاثاء، أن “التقنية تقترح حلولا، كأن يتم التقاط صورة لقائمة الغياب، وإدخالها تلقائيا باستخدام الذكاء الاصطناعي وتقنيات تحليل الصور”، وتابع: “اليوم، بيانات الغياب موجودة في النظام؛ وهو ما لم يكن متاحا لسنوات، رغم أن اللوائح كانت تُعد”.
وأضاف وزير التربية الوطنية، في المناظرة التي تنظمها وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، أنه “من الضروري جدا إدراج هذه البيانات إذا كنا نرغب حقا في مكافحة الهدر المدرسي”، معتبرا أن الأخير “يمسّ نحو 300 ألف تلميذ سنويا”، وتابع: “هذه السنة، بلغنا 280 ألف طفل وتلميذ غادروا مقاعد الدراسة”.
وأورد المسؤول الحكومي أن “مواجهة الظاهرة لا تقتصر على تسجيل الغيابات فحسب؛ بل تتعداه إلى فهم الأسباب الكامنة وراء مغادرة هؤلاء التلاميذ للمدرسة”. وزاد: “هنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي وتقنيات التعلّم الآلي. فبفضل قواعد البيانات التي جمعناها على مدى سنوات، تمكنا من محاولة تفسير الظاهرة”.
وأبرز المتحدث أن “السبب يعود في الغالب إلى التكرار الدراسي، أو إلى النتائج الدراسية الضعيفة خلال السنة”. وتابع: “لكن من أجل تتبّع كل ذلك، لا بد أن تكون البيانات بين أيدينا في النظام المعلوماتي. ولسوء الحظ، لا يتم إدخال النتائج المدرسية إلى النظام إلا في نهاية السنة، رغم الصعوبات التي يطرحها”.
وزاد الوزير شارحا: “يكون في المؤسسة التعليمية مدير واحد فقط، ويُطلب منه إدخال الغيابات والنتائج في آن واحد، وهذا أمر معقد”، مشيرا إلى أن التقنية المتطورة للغاية “ومن خلال أدوات بسيطة جدا، يمكن أن يقدم مساعدة كبيرة”.
وأوضح أن “التخطيط التربوي كان يُنجز بأساليب قديمة وبشكل عام، وغالبا ما يكون خاصا بالسنة الموالية فقط؛ والحال أننا بحاجة إلى تخطيط يمتد على 3 أو 4 سنوات إذا أردنا تكوين المدرّسين”. وقال: “لا يمكننا تحقيق ذلك إلا من خلال قواعد البيانات والخوارزميات واقتراحات الذكاء الاصطناعي؛ وهي ما يتيح لنا تخطيطا دقيقا يُجنّبنا حالات النقص أو الفائض”.
أما فيما يتعلق بالتعليم، أشار برادة إلى مدارس الريادة، القائمة على “برامج للدعم التربوي من أجل تمكين الأطفال من اللحاق بمستواهم الحقيقي وتحسين كفاياتهم الدراسية”، مسجلا “اللجوء إلى برامج دعم تستهدف تقديم دروس لكل تلميذ وفق مستواه الفعلي”. وتابع: “هنا، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دورا حاسما”.
وكشف المتحدث وجود عمل في الوقت الحالي “لتطوير تطبيقات وواجبات منزلية لشهر شتنبر، بحيث يصبح بإمكان كل تلميذ أن يمتلك “أستاذا خصوصيا افتراضيا” في منزله، يتكيّف مع مستواه، ويوجهه لإنجاز التمارين اللازمة لتحسين أدائه”. وزاد: “هناك عمل أيضا يهم اللغات، ويتم تطوير تطبيقات جديدة داخل المختبر الرقمي (Digital Lab) بشراكة مع وزارة التحول الرقمي”.
وقال الوزير: “اليوم، أصبح من الأسهل تعلّم اللغات في البيت، من خلال تطبيقات تتكيّف مع مستوى التلميذ وتقدم له التمارين المناسبة. وقد أعطت هذه التطبيقات نتائج ممتازة في التجارب التي تم إجراؤها”.
وتحدث المسؤول عينه عن “عنصر آخر يُشكّل عائقا في المنظومة التعليمية المغربية، وهو ضعف مشاركة الأسر، خاصة في التعليم العمومي، وقلة المعلومات المتوفرة لديهم”. وتابع: “على سبيل المثال، حين يتغيّب تلميذ ما، رغم وجود تطبيقات الرسائل النصية القصيرة (SMS)، فإن الآباء لا يُبلَّغون بذلك؛ وهو ما قد يؤدي إلى حدوث كوارث أحيانا”.
وأورد الوزير الوصي على قطاع التربية الوطنية أنه “غالبا، لا يتم إخبار الآباء إلا في نهاية السنة أو نهاية الدورة، إذا قرروا زيارة المؤسسة للحصول على نتائج أبنائهم”، مشددا على الحاجة إلى “علاقة دائمة، أسبوعية أو شهرية معهم”، تُمكّن الأسرة من “متابعة مسار الطفل: ما الذي يحصل له؟ أين يتفوق؟ وأين يواجه صعوبات؟ ما الدروس الإضافية التي يتلقاها؟ ومتى يُفترض به الحضور لها؟”.
وجدد التأكيد على أن الذكاء الاصطناعي يمكنه هنا كذلك أن “يلعب دورا مهمّا في تسهيل التواصل مع الأسر. لماذا؟ لأن إرسال رسالة نصية لا ينفع أحيانا؛ لكن عندما نرسل لهم رسالة صوتية، بالدارجة أو بالأمازيغية، أو حتى بالفرنسية، يصبح التواصل ممكنا، ويُحل الإشكال”، وزاد: “إذا استطعنا إشراك الأسر معنا في تتبع المسار الدراسي لأبنائهم، فإننا سنحقق بالتأكيد نتائج أفضل بكثير”.