يمثل تعيين السيد محمد رضا بنجلون على رأس المركز السينمائي المغربي (CCM) منعطفًا قد يكون حاسمًا في تاريخ السينما المغربية، وذلك بعد عقود من النجاحات الجزئية التي لم تتمكن أبدًا من ترسيخ إصلاح استراتيجي وهيكلي في هذا القطاع. يأتي تعيين محمد رضا بنجلون في لحظة يقف القطاع السينمائي المغربي عند مفترق طرق: بين زيادة الحضور الدولي، واشتداد التحولات الرقمية، وضرورة هيكلة صناعة لا تزال هشة من حيث الانجازات الإبداعية، والتوزيع الفعّال، والتمويل العام العقلاني والعادل، وإشكالية توزيع وعرض الأفلام الوطنية لأغلب المغاربة بتميز عن التلفزيون وصناعة المحتوى وتلفيق ما ليس سينمائي تحت يافطة السينما.
يمتد مسار محمد رضا بنجلون على مدى ثلاثة عقود في الصحافة التلفزيونية وإنجاز الفيلم الوثائقي التلفزيوني الجيد، مما يجعله فاعلًا قادرًا على مواجهة التحديات الهيكلية للسينما المغربية. لكن مهمته يجب أن تتجاوز مجرد الإدارة البيروقراطية والرؤية الضيقة، لتنخرط في رؤية أشمل: جعلُ السينما رافعةً للتواصل الجماهيري وصناعة القدوات والرفع من الوعي بأهمية الصورة عموما، وأداةً قوية وذكيةً للدبلوماسية الثقافية، ونموذجًا للتحرر الاجتماعي الإبداعي، وحاملاً للذاكرة الجمعية.
نستكشف في هذا المقال بعجالة أبرز التحديات التي تنتظر مدير المركز السينمائي المغربي الجديد، السيد محمد رضا بنجلون، وذلك في مواجهة تحويل السينما إلى ركيزة للقوة الثقافية الناعمة المغربية، مع تعزيز الهوية الجمالية الوطنية في عمقها وليس مظاهرها السطحية، وتحفيز وتقوية وهيكلة الاقتصاد الثقافي الإبداعي.
1 – هيكلة صناعة سينمائية قادرة على الصمود: بين التمويل والتكوين
أ/ إعادة تنظيم وتقوية إمكانات صندوق دعم الإنتاج وتبسيط الإجراءات الإدارية
أسس المركز السينمائي المغربي سنة 1944، وهو يضطلع بدور محوري في تأطير وتنظيم وتمويل السينما المغربية. لكن المخرجون والمنتجون غالبًا ما يشتمون من عدم فعالية آليات دعم الإنتاج غير الشفافة، ومن إجراءات بيروقراطية معقدة.فسيكون على المدير الجديد السيد محمد رضا بنجلون أن يعمل بذكاء وبطريقة مختلفة عن سابقيه ل:
– إصلاح صندوق دعم الإنتاج، وجعله أكثر شفافية وأكثر فعالية، وأكثر قدرة على تمثل المُراد من السينما المغربية والتفريق بين الإبداع والصناعة في السينما، وإتاحةً الفرص أكثر أمام الشباب الموهوبين، دون إغفال الرواد وتمكينهم من الاستمرار في العمل على أساس الاستحقاق.
– تبسيط تراخيص التصوير، وهي نقطة حاسمة لتجنب تعقيدات مجانية تواجه السينمائيين المغاربة أثناء التصوير، وجذب المزيد من الأفلام المشتركة مع الخارج.
– تشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص، بإشراك البنوك والمستثمرين على أسس مفيدة للسينما وللإبداع وبمقاييس لا علاقة لها بالعقار أو القروض الاستهلاكية بكل أنواعها، والسعي لصياغة ولتثبيت استراتيجية طموحة تهدف لتعزيز قوة وانتشار أفلام شباك التذاكر بشكل معقول وهادف وصارم القيم في حد أدنى، دون إغفال قاطرة الإبداع العالي القيم وحمايته من ضغوط السوق والتمويل.
ب/ تكوين جيل جديد من التقنيين وكتاب السيناريو.
يتمتع المغرب بمزايا سينمائية كبيرة (استوديوهات ورزازات، مواقع تصوير متنوعة…)، لكنه يفتقر إلى كوادر مؤهلة بتركيبة تجمع الفكر والجمال والتقنيات العالية، واعية بتاريخها وبإرثها الثقافي الوطني وبتعقيدات قضايا الهوية والتاريخ الإنساني، تعي بعمق أن امتلاك مهارات تقنية وحدها لا يكفي لصناعة أفلام مؤثرة. في هذا السياق يمكن لمدير المركز السينمائي الجديد السيد محمد رضا بنجلون :
– العمل مع جهات أخرى والوزارة الوصية على إنشاء مدارس متخصصة في التكوين السينمائي في تخصصات الإخراج وفي ما بعد الإنتاج، كالصوت وإدارة التصوير والمؤثرات البصرية، وإدارة المشاريع السينمائية، بعيدًا عن ضغوط بيروقراطية التصنيف كمؤسسات التعليم العالي المعيقة أحيانا للاشتغال الفني الإبداعي الذي لا علاقة له بالمعايير الاكاديمية الثقيلة على الإبداع الفني والمعيقة لحرياته التخييلية غير المحدودة.
– تعزيز التبادل مع كبريات المدارس السينمائية الدولية، لتخريج محترفين قادرين على المنافسة الدولية والقارية.
2 – السينما كأداة للقوة الناعمة والدبلوماسية الثقافية
أ/ تصدير وتوزيع السينما المغربية دوليًا.
رغم نجاح بعض الأفلام المغربية في انتزاع الاعتراف في مهرجانات كبرى، يبقى التوزيع الدولي تحديًا كبيرًا أمامها وهنا يمكن للإدارة السينمائية الجديدة بالمملكة :
– التفاوض مع منصات مثل نتفليكس وأمازون وديزني+ لعرض الأفلام المغربية بشروط وبصيغة لينة ومفيدة.
– الاستفادة من نماذج تدبيرية عالمية ومنها مثلا نموذج كوريا الجنوبية، حيث تدعم الحكومة بنشاط تصدير المحتوى الثقافي، بما فيه الأفلام السينمائية.
ب/ جعل المغرب مركزًا سينمائيًا إفريقيًا .
بنياته التحتية وباستقراره السياسي والأمني وانفتاحه الثقافي والدبلوماسي وتوجهاته السلمية، يمكن للمغرب أن يصبح مركزا ومحورًا للسينما الإفريقية، وهنا أيضا يمكن للمركز السينمائي المغربي بقيادة السيد المدير الجديد:
– جذب المزيد من الأفلام الأجنبية الكبرى للتصوير بالمنغرب كما كان مع إنتاجات كبرى مثل Mission Impossible أو Gladiator 2 بحوافز ضريبية وخدمات جيدة وتأطير إداري ذكي وفعال.
– إنشاء صندوق للإنتاج المشترك الإفريقي، لتعزيز التعاون مع السينمائيين جنوب الصحراء بصيغة استراتيجية وذات جدوى وفعالية.
3- ترسيخ الهوية الجمالية والذاكرة الجمعية
أ/ تعزيز السرديات المغربية الأصيلة .
يدرك مدير المركز السينمائي الجديد السيد محمد رضا بنجلون، وهو المعروف بمجلاته الوثائقية الملتزمة، يدرك أهمية الحكايات المحلية، لذلك فالمعول عليه في:
– دعم الأفلام التي تستكشف التاريخ المغربي الاستعمار، سنوات الرصاص، الهجرة…
– تشجيع المخرجات والناقدات السينمائيات، اللاتي ما زلن قليلات الحظ والاستفادة من الفرص، على تقديم مشاريع وتوفير فرص الإنجاز لهن.
ب/ رقمنة أرشيف المركز السينمائي المغربي
يواجه التراث السينمائي المغربي خطر الضياع وخاصة القديم والتأسيسي منه، لذلك ينبغي سن سياسة رقمنة لـ:
– الحفاظ على الكلاسيكيات (مثل فيلم باديس وليام يا ليام وقفطان الحب إلخ …)
– إنشاء منصة للبث المباشر مخصصة للسينما المغربية فقط ودون خلطها بالفيلم التلفزيوني، على غرار المكتبة السينمائية الفرنسية أو البريطانية….
4 – السينما كرافعة للتوظيف والتعليم
أ/ تحفيز الاقتصاد الإبداعي
تخلق السينما فرص عمل عبر تشغيل تقنيين ممثلين ومختصين في مهن البث الرقمي إلخ، هكذا يمكن أيضا :
– إطلاق حاضنات لشركات ناشئة في مجال الترفيه.
– تطوير تكوين في النقد السينمائي وتحليل الصورة السينمائية وتقنياتها، لتعزيز فهم الرسائل السينمائية وطبيعتها وكيفية مقاربتها جماليا وتربويا، مع اعتماد مختصين مغاربة وغيرهم.
ب/ إدراج السينما في المناهج الدراسية
بالشراكة مع الوزارات المعنية، يمكن للمركز السينمائي المغربي:
– تنظيم ورشات سينمائية في المدارس بكل مستوياتها.
– التعاون مع وزارة التربية الوطنية لتدريس التاريخ عبر السينما ولغة الصورة وتاريخها التاواصل عبر لغتها المتميزة.
خاتمة: ولاية تحت مجهر توقعات قديمة جديدة.
يصل محمد رضا بنجلون إلى المركز السينمائي المغربي بشرعية قوية، لكن بتحديات كبرى.حيث سيتوقف نجاحه على قدرته على:
– تحويل المركز إلى محفّز صناعي حقيقي (تمويل، تكوين)، مع تقليص البيروقراطية إلى الحد الأدنى.
– جعل السينما سفيرةً ثقافية للمغرب (مهرجانات، منصات ديجيتال، دعم الأنشطة الدبلوماسية)
– الحفاظ على السرديات المغربية وإعادة ابتكارها (أرشيف، تنوع الأصوات)
إذا تمكن السيد محمد رضا بنجلون من الجمع بين الجودة الفنية والجدوى الاقتصادية وفعالية التواصلية والتربوية للفيلم المغربي على الساحتان الوطنية أولا والدولية ثانيا، فقد تشهد السينما المغربية عقدها الأكثر ازدهارًا على أساس بنيوي متكامل لأول مرة في تاريخها، ولعل ذلك ما سيعزز القوة السردية للمغرب ولصورته التي ما فتأت تتحسن وتنتشر في العشارية الأخيرة على وجه الخصوص.