أخبار عاجلة

الذكاء الرديف.. يعرف عنا كل شيء

الذكاء الرديف.. يعرف عنا كل شيء
الذكاء الرديف.. يعرف عنا كل شيء

وكأن وسائل التواصل الحديثة -في حضورها القوي، في أغلب تفاصيل حياتنا- انبعاث جديد لأنبياء الماضي، الذين اشتغلوا بدورهم على تفاصيل الحياة، هنا وهناك في السماء.

هو انبعاث واقعي، إذ ما من ديانة إلا وحجزت لها حيزا رقميا، تنافس فيه غيرها، كما الماضي وأكثر.

ترانيم، ابتهالات، نواقيس وأذان وأدعية.

مواعظ لطيفة ومتسامحة، وأخرى خشنة لا ترى الصدق إلا في حروفها، وخرائطها، التي رسمتها وترسمها لعالم تقول عنه إنه الآخر.

وكما كان يحصل في الماضي، حين يتحول الكلام الديني إلى خيول، تلمع فوق أعنتها سيوف، تقطر دما؛ لانعدم اليوم خيول العصر، وهي تستعيد نفس السيوف، وبخضابها القاني.

تكملة لتدافع رقمي، لم يصل إلا لساحات الاقتتال. أو إنهاء له واستدعاء للقرون المظلمة، لتكشف عن مفاتنها التي أفنت الأجيال تلو الأجيال.

ولسائل أن يسأل: هل استحضر رواد الثورة الرقمية، وهم يدفعون بالعالم إلى الانكشاف عاريا، كما ولد، هذا التدافع الديني الذي اكتسح أغلب المساحات؟

لا أعتقد، إن هي إلا طفرة تواصل بشري، لم تجد في جعبتها الكثير، لتستهلكه في منصات التواصل، فازاورت جهة تخمة الخطاب الديني، الذي ترثه الأجيال وتورثه، وكأنه جينات في تلافيف الجينات.

بدا هؤلاء الرواد -وفي ركابهم دهاقنة العولمة- وكأنهم أنبياء جدد، يستبدون بالناس، بلطف مغر وأخاذ، وساحر في جميع ألوانه وأنغامه؛ وقد أفلحوا.

أنبياء، سبق أن قلت عنهم شعرا: “يصنعون الجنة هنا والقيامة”

يمضون بالناس، وبزمن الناس، إلى بساتين وفواكه لا عهد لهم بها.

حتى أنبياء الماضي ما حدثوا إلا بما يعرفونه في الأرض، ويشتاق إليه المحرومون.

أما هؤلاء فجعلوا من البشرية ضيوفا، على صحن واحد؛ حتى مقولتا العالم القرية، العالم المطبخ، لم تعودا معبرتين عن كل هذا الوصال البشري، الذي جب كل انفصال.

اقتحموا الأسر لتربية الأبناء، على ما يريدون لهم، بعد أن وثقوا بكون الأمهات منشغلات بدورهن بسحر الشاشات.

صرفوا الجميع عن الأهل والصحاب، وعوضوهم بجماعات افتراضية، هي أقرب إليهم من حبل الوريد.

وهاهم بصدد إحالة الجميع على التقاعد الفكري البشري، مغريين بذكاء اصطناعي بارد، يفكر لهم في كل تفاصيل حياتهم.

بل حتى الفكر الإنساني، في أبهى مقاماته الفلسفية، الفنية، والشعرية، سائر إلى تقاعد.

هل هي الطريق إلى الجنة، تستعيد فيها البشرية رفاهية آدم وهو فيها، قبل أن يحاول المعرفة والحكمة.

ما أشبه إلغاء شقاء الإنسان بفكره، وإنابة الذكاء الاصطناعي في كل شيء، بحكاية آدم السعيد في جهله، الشقي بمعرفته.

إذا كان هؤلاء الرواد البناؤون للعولمة الرقمية، بكل هذا النبوغ الرسالي، الذي يبشر بفجر جديد للبشرية، سيرا على نهج الأنبياء في أزمانهم؛ فما السر في اكتساح التدافع الديني القديم، اللطيف والخشن، المسالم والدموي، لأغلب خرائطهم التواصلية؟

شخصيا أميل إلى كونهم أرادوا هذا، لإخراج كل ما في صناديق البشرية، والإلقاء به وليمة لأعشاب البحر، وإلحاق حتى الصناديق.

ثم دفع البشرية لتعيش جنتها، كما خططوا لها، بدون دهاليز وائمة ظاهرين وباطنين.

بدون نواقيس وأجراس، تدفع بالناس إلى الخروج، والحال أنهم في حاجة إلى الدخول إلى نفوسهم، ففيها كل شيء.

طبعا هذا الفهم قد لا يروق للكثيرين، خصوصا الذين يتوهمون أنهم يخوضون فتوحات أخرى، في الساحات الرقمية، متجاهلين أن الزر ليس بأيديهم.

طيب يا سادة؛ لكن هل تستطيعون الإلقاء بشاشاتكم بعيدا، لتعاودوا حياتكم القديمة، قبل الثورة الصناعية، عندهم؛ والنصوص التي نعاود نسخها، جيلا بعد جيل، عندنا.

وما دمتم لا تستطيعون، وتواصلون السير في ركاب العولمة الرقمية، والمَضافات التواصلية الشهية؛ فأنتم من حواريي الأنبياء الجدد. الذي يصنعون الجنة هنا والقيامة.

طُلب منكم أن تقرؤوا، ولو في الصين، حتى تُكمل عقولُكم الوحي؛ لأن الرسالة كانت بداية ولم تكن نهاية؛ لكنكم اخترتم الاسترخاء والدعة؛ فاختار الله أنبياء العصر من غير قومكم.

وحتى من الصين التي ضيعتم لبنها، ذات استرخاء عمَّر قرونا.

ورغم هذا لم يَضِع كل شيء، لأن الدعوة إلى العلم لا تزال قائمة.

والذكاء الاصطناعي -الرديف – لا يمكن أن يسكت ويتغاضى عن جهلنا.

وعلى كل من يستصعب الحضارة الحديثة فيكفِّرها؛ أن يخجل من هذا الذكاء البارد الذي يعرف عنا كل شيء.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق وظيفة جامعة.. جامعة النهضة تعلن حاجتها الى أعضاء هيئة التدريس من الأستاذ الى المعيد.. سجل هنا
التالى حضرت احتفالية.. محامي نوال الدجوي يرد على تحدي الخصوم: "الدجوي في كامل قواها العقلية