الذهب والفضة يلمعان كملاذ آمن وسط تباطؤ سوق العمل

الذهب والفضة يلمعان كملاذ آمن وسط تباطؤ سوق العمل
الذهب والفضة يلمعان كملاذ آمن وسط تباطؤ سوق العمل

هل وصل قطار السياسة النقدية إلى المحطة التي ينتظرها مجلس الاحتياطي الفيدرالي من أجل بدء مساره نحو تيسير السياسة النقدية؟ هذا التساؤل يشغل المستثمرين والخبراء الاقتصاديين اليوم على حد سواء، بصفة خاصة بعد أن كشف تقرير وظائف أغسطس عن إضافة 22 ألف وظيفة فقط، وهو رقم ضئيل فاجأ الأسواق المالية وأحدث فيها تحولًا جذريًا، بل يعتبره الكثيرون بمثابة زلزال يهز المشهد الاقتصادي في أمريكا، وفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال.

وكانت قراءة تقرير التوظيف الأخير، الذي قد يُنظر إليه في الوهلة الأولى كعلامة على ضعف الاقتصاد وتراجع سوق العمل، بمثابة إشارة خضراء طال انتظارها للمستثمرين الذين يراقبون عن كثب تحركات مجلس الاحتياطي الفيدرالي ويرحبون بأدنى إشارة إلى خفض معدلات الفائدة، وهو الأمر الذي طالب به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرارًا في سلسلة اشتباكاته مع محافظي البنك المركزي وعلى رأسهم رئيسه جيروم بأول، ما دعا ترامب إلى التفكير في السيطرة على أصوات لجنة السياسة المالية، وفقًا لصحيفة نيويورك بوست.

أكد التقرير أن حملة الفيدرالي لتهدئة الاقتصاد وتشديد السياسة النقدية ومكافحة التضخم قد بدأت تؤتي ثمارها، ما يجعل التحول القادم في سياسته النقدية نقطة مفصلية ستحدد مسار الأسواق في الشهور القادمة المتبقية من العام الجاري.

وعلى مدار أشهر متتابعة، كان المتصور على نطاق واسع، وبتأييد الخبراء، هو أن سوق العمل الأمريكي محصن أمام الصدمات، لكن البيانات الأخيرة تقدم صورة مختلفة تمامًا، إذ جاء تقرير أغسطس تتويجًا لاتجاه "التبريد" الذي بدأ منذ فترة عن طريق إبقاء معدلات الفائدة أعلى لفترة أطول.

وفقًا للتحليلات الاقتصادية الأخيرة، انخفض عدد فرص العمل المتاحة ليصبح أقل من عدد العاطلين عن العمل لأول مرة منذ عام 2021. 

هذا التحول يعني أن الشركات بدأت في تقليص التوظيف بشكل ملحوظ، وهو ما يمثل نجاحًا مباشرًا لجهود الفيدرالي في كبح جماح الطلب على العمالة. 

هذه التهدئة، التي ينظر إليها كحالة صحية، تعكس انتقال الاقتصاد من حالة محمومة إلى وضع أكثر استدامة وتوازنًا، دون الوقوع في ركود عميق.

الذهب والفضة يتألقان كملاذ آمن

لم يقتصر الارتفاع الأخير على أسواق السندات والأسهم، بل كان له أثر واضح على المعادن الثمينة. ووفقًا لصحيفة "كيتكو" المتخصصة في أسعار الذهب، قفزت أسعار الذهب بشكل ملحوظ يوم الجمعة، مدفوعة ببيانات الوظائف الضعيفة. فقد ارتفع سعر الذهب للعقود الآجلة بمقدار 47.40 دولارًا للأونصة، ليسجل سعرًا قياسيًا جديدًا عند 3،613.20 دولارًا. هذا الارتفاع يمثل استمرارًا لثلاثة أسابيع متتالية من المكاسب.

كما ارتفعت أسعار الفضة أيضًا بمقدار 16.30 سنتًا للأونصة، لتصل إلى 41.074 دولارًا، وهو ما يُعتبر ثاني أعلى قيمة لها هذا العام. 

يُعزى هذا الأداء القوي للذهب والفضة إلى دورهما كأصول غير مدرة للعائد، مما يجعلها ملاذًا جذابًا للمستثمرين في بيئة منخفضة الفائدة.

في أسبوع شهد تحولات دراماتيكية، هز تقرير الوظائف الأمريكي لشهر أغسطس 2025 الأسواق كزلزال اقتصادي، حيث أظهر إضافة فقط 22،000 وظيفة جديدة، مع ارتفاع معدل البطالة إلى 4.3%، أعلى مستوى منذ أربع سنوات تقريبًا. 

لكن بدلًا من الذعر، رأى المستثمرون أن الذكاء الحقيقي يكمن في هذا التباطؤ كدليل على نجاح حملة الاحتياطي الفيدرالي في تهدئة الاقتصاد والسيطرة على التضخم المحموم، ممهدًا الطريق لسلسلة من خفض أسعار الفائدة التي طال انتظارها.

 كما أكد تحليل رويترز في تقريرها الأخير، فإن هذا الضعف في سوق العمل يضع مجلس الاحتياطي الفيدرالي على مسار ثابت لتخفيضات متتالية، مع الحفاظ على معدله الحالي عند 4.25%-4.50% حتى الآن.

كان سوق العمل الأمريكي يُعتبر "لا يقهر" لسنوات، لكن بيانات أغسطس رسمت صورة مختلفة تمامًا، مع تراجع حاد في التوظيف ومراجعات سلبية للأشهر السابقة. هذا التباطؤ ليس انهيارًا، بل تهدئة استراتيجية ضرورية لمنع التضخم من العودة.

كما أوضح تقرير "بي بي سي نيوز" الذي أبرز كيف أن الاقتصاد أضاف 22،000 وظيفة فقط، مما يؤكد تباطؤًا متعمدًا في ظل سياسات الفيدرالي. 

وفي تحليل أكثر عمقًا أشار موقع "سي بي إس نيوز" الأمريكي إلى أن بعض الاقتصاديين يتوقعون استمرار خفض الفائدة في 2025 لمواجهة ضعف سوق الوظائف، مع التركيز على قطاعات مثل التصنيع والخدمات التي شهدت انكماشًا.

لفتت صحيفة "إنفستنج دوت كوم" إلى أن رد الفعل في الأسواق كان فوريًا ومثيرًا، حيث انخفضت عوائد السندات الحكومية بشكل حاد، وتراجع الدولار، مما يعكس رهانات المستثمرين على خفض فائدة بنسبة 25 نقطة أساس على الأقل في اجتماع سبتمبر الجاري. 

بل إن بعض التحليلات تذهب أبعد، كما في تقرير "سي إن بي سي" الذي أكد أن التقرير الضعيف يضمن خفضًا بنسبة 25 نقطة، مع إمكانية أكبر إذا استمرت الضغوط. 

وفي سياق مشابه، أبرزت الشبكة الإخبارية الأمريكية حقيقة أن الفيدرالي أصبح في حالة "شبه يقين" بشأن خفض بنسبة 25-50 نقطة، مما يساهم في تخفيف تكاليف الاقتراض ويعزز النمو دون إثارة التضخم مرة أخرى.

على الرغم من التاريخ الذي يربط تقارير الوظائف الضعيفة بانخفاضات حادة في الأسهم، إلا أن مؤشري إس أند بي 500 وناسداك حافظا على استقرارهما قرب الذروة، مدعومين بتوقعات السياسة النقدية الداعمة.

كما أفاد إن بي سي نيوز في تغطيتها، فإن المستثمرين يرون في هذا الضعف فرصة لخفض الفائدة، خاصة مع مخاوف من تأثير التعريفات الجمركية على التضخم.

أما صحيفة الجارديان البريطانية، فقد أبرزت كيف أن القطاع الحكومي الفيدرالي خسر 15،000 وظيفة في أغسطس، مساهمًا في الإجمالي السلبي، لكنه يعزز الحجة لتدخل الفيدرالي السريع.

تصاعد الرهانات: هل يذهب الفيدرالي للخفض الكبير؟

ومع اقتراب اجتماع الفيدرالي في 17 سبتمبر، أصبحت الأنظار معلقة على بيانات التضخم القادمة، لكن تقرير الوظائف وضع خفضًا كبيرًا "في الملعب"، كما حذرت مجلة فورتشن من إمكانية خفض بنسبة 50 نقطة إذا استمر ضعف سوق العمل الأمريكي. 

وأكد تحليل لرويترز أن ارتفاع البطالة إلى 4.3% يؤكد تباطؤًا حادًا في سوق العمل، مما يجعل التخفيضات المتعددة أمرًا حتميًا لتجنب الركود، أما موقع ريلتور دوت كوم، فقد أشار إلى أن هذا التقرير يمهد لخفضات متعددة لمعدلات الفائدة الأمريكية في هذا العام، ما يفيد سوق العقارات ويحسن ظروف الاقتراض.

ينتقل تركيز المستثمرين قبيل جلسة أمريكا الشمالية الأولى للأسبوع الجاري إلى تقارير التضخم لأغسطس، التي ستكون القطعة الأخيرة في اللغز قبل قرار الفيدرالي. 

كما أوضح موقع مورنينج ستار، فإن إضافة 22،000 وظيفة فقط دفعت المتداولين إلى زيادة رهاناتهم على خفضات أكبر، مع تراجع في عوائد السندات. 

وكانت وكالة بلومبرج قد أكدت أن تقرير الوظائف غير الزراعية يضمن خفضًا بنسبة 25 نقطة على الأقل، مع إمكانية أكبر إذا أظهرت البيانات ضعفًا مستمرًا. 

ولفتت إلى أن هذا التحول ليس مجرد تعديل، بل بداية عصر جديد في السياسة النقدية، حيث يسعى مجلس الاحتياطي الفيدرالي لتحقيق توازن دقيق بين التوظيف وكبح التضخم وضبط الأسعار. 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق التجويع كسلاح حرب: اتهامات دولية لإسرائيل بارتكاب جرائم ضد الإنسانية
التالى فضيحة راينر.. ضربة قاصمة تضع رئاسة ستارمر للحكومة البريطانية على المحك